في ظل المشهد الوطني الجديد، المتمثل بشكل كبير في خطط الإستجابة لما يشغل فكر الناس ويحرّك الشارع، فإن انحسار نهج التحشيد والهتاف لصالح الحوار المباشر أضحى واجبا.
مثّلت الحالة الوطنية على الرابع، توظيفا كاملا لما اتسم به الحراك الوطني من عقلانية ومن التزام بالثوابت.
بالطبع لا يقاس على من شب عن هذا الطوق الوطني ونصّب نفسه قاضيا وجلادا في آنٍ معا.
في سياق الصور الوطنية المتلاحقة التي أوصلت صوت الناس، وكيلا تتشظى الفكرة الوطنية من أساسها، ولكي يكون لهذا الغرس ثمارا يقطفها الوطن، فإن الجلوس إلى الحوار على كل المستويات الوطنية والنهوض بعبء التعبير عن ما يقلق الناس بصورته الوطنية وبشكله الأردني الذي خبره العالم، هو السبيل الوطني لمن يبحث عن حلول.
لا أحد يريد الفوضى، وعلى قادة الرأي الذين خرجوا للرابع، أن يقبلوا الجلوس للحوار، وعلى الحكومة أن تكون مقنعة وواضحة وأن تحضر إجابات للأسئلة ومبررات للإجراءات.
في واقع سياسي إقليمي مرير ومريب، علينا أن نقتنص الفكرة، ونلتقط اللحظة، وعلينا الإنتباه لكي تتسع الرؤية ونرى الصور المتلاحقة كاملة، وأن نبحث في كومة القش التي صنعناها جميعا، عن لحظة الإلتقاء.
أكثر من سبيل أمام الحكومة كي تتعمّق في إذابة الجليد بينها وبين الشارع وقد بدا كبيرا في احتجاجات الرابع.
أول هذه السبل هو توجيه الجسم الحكومي نحو بدايات نهضة اقتصادية من اصحاب العلاقه وأصحاب من يثق الشارع بهم وهم كثر.
هل يشمل ذلك مراجعة لقانون الضريبة أو إعادة تقييم لقانون الاستثمار، ربما، لكن المهم هو أن تقنع الشارع بأنك تبحث عن نوافذ وأبواب للخروج من الحالة الاقتصادية الراهنة.
ما يزعج الناس أساسا هو أن خطط الحكومات في علاج الأزمات الإقتصادية موجّهة دائما نحو الهدف الأسهل.
اذا صح ما نسمعه كثيرا في وسائل التواصل الإجتماعي عن نسب الضرائب وقيمها في الموازنة العامة، فهو أمر بحاجة إلى إجابات وأسئلة، وبحاجة إلى ان يكون العبء الضريبي متوازنا ويراعي حاجات وموازنة العائلة الأردنية، وقبل ذلك وبعده، أن تقرأ الحكومة جيداً أثر الضرائب المباشر على الإستثمار وعلى استقرار مئات المشاريع الإقتصادية.
لن يكون هذا الحوار نهاية المطاف، ستبقى الحكومات تعمل وتخطىء، وسيبقى صوت الناس يقوّم ما يراه اعوجاجا، لكن ذلك سيكون في حدود الإطار الذي حدّده الأردنيون في تاريخهم المجيد.