طوق الحمامة (الحب شيء لا نستطيع أن نصفه ولا بد من معاناته حتى نعرفه)
"كلفتني –أعزك الله – أن أصنف لك رسالة في الحب ومعانيه ,وأسبابه واغراضه ,وما يقع فيه وله على سبيل الحقيقة ". هكذا يشرح ابن حزم موضوع رسالته التي عرفت في تاريخ الادب العربي باسم طوق الحمامة وابن حزم إمام وفقيه وسياسي أندلسي عاش في النصف الاول من القرن الخامس الهجري ويمكننا أن نعتبر هذه الرسالة محاولة عبقرية مبكرة في علم النفس تلتها محاولات أخرى في تاريخ الادب العربي مثل (تزيين الاسواق – لداوود الانطاكي وروضة المحبين لابن القيم الجوزية ومصارع العشاق لابن السراج وديوان الصبابة لابن ابي حجلة )ورغم ان مؤلف الرسالة رجل دين الا أن ذلك لم يمنعه من أن يضع رسالة في الحب وهو يبرر ذلك بقوله أنه "لا بد من استجمام النفس بشيء من الباطل ليكون عوناًعلى الحق" وفي بعض الأثر "أريحو النفوس فأنها تصدأ كما يصدأ الحديد".
وفي أول الرسالة يشرح ابن حزم منهجه فهو يلجأ للأستدلال على ما يقول الى مصدرين :هما تجربته الشخصية وحديث الثقات من اهل زمانه ولكنه لا يفصح عن الأسماء فيما يرويه حفظاُ للاسرار والصداقات الا اذا كانت القصة مشهورة لا معنى لأخفاء أسماء أصحابها أو لأن صاحبها قد أجاز ذكر أسمه .وقد قسم رسالته هذه الى ثلاثين باباً منها عشرة في أصول الحب وأثنا عشر في أغراض الحب وصفاته المحمودة والمذمومة ,وستة في الآفات الداخلة على الحب ثم بابان ختم بهما الرسالة وهما باب الكلام في قبح المعصية وباب في فضل التعفف.
يقول ابن حزم الحب –أعزك الله – أوله هزل وآخره جد وهو لا يوصف بل لا بد من معاناته حتى تعرفه والدين لا ينكره والشريعة لا تمنعه ,اذ القلوب بيد الله عز وجل .ثم يوردالاسطورة الاغريقية التي تفسر الحب بأنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة وإن كل نصف يبحث عن نصفه الذي انفصل عنه.
ويتحدث عن أنواع الحب فيقول انها أنواع افضلها محبة الله عز وجل ومحبة القرابة ومحبة الألفةوالاشتراك في المطالب ومحبة التصاحب والمعرفة ومحبة الطمع في جاه المحبوب ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره ومحبة بلوغ الذات وقضاء الوطر ومحبة العشق التي لا علة لها الا اتصال النفوس على نحو ما سبق ذكره.
ولهذا فإن ابن حزم لا يفرق أطلاقاً بين حب الرجل للمرأة ,والحب بين أفراد الجنس الواحد ,ويذكر على انه شيء عادي معترف به وهو ليس مجرد علاقة وإنما هو هيام وغرام على نحو ما يقع بين الرجل والمرأة.ويتحدث عن علامات الحب ادمان النظر والحب والجنس والوحدانية في الحب ويتحدث عن الحب وما يخفي وراءه الكراهية .فهذا هو ابن حزم إمام وسياسي و فقيه الاندلس وفيلسوفها يكتب عن الحب وصفاته وآفاته .