الاختلاف صورة من صور الحياة على الارض، لأسباب مختلفة، وهنا لا اتحدث عن الاختلاف على الصعيد الدولي بين الدول الذي له اسبابه ومبرراته ومراميه ومآلاته، ولكنني اتحدث عن الاختلاف بيننا اصحاب الدين الواحد، والأرض أو الوطن الواحد-لقد اكتسبنا المعرفة وافتقدنا خلقها- وامتلكنا الوسيلة وضيعنا الهدف والغاية-لقد أتقنا فن الاختلاف وافتقدنا آدابه والالتزام بأخلاقياته-فسقطنا فريسة التآكل الداخلي والنزاع الذي أورثنا هذه الحياة الفاشلة وادى الى ذهاب الريح قال تعالى ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) ( ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء).
ان جذور الأزمة الفكرية قد أورثتنا شلالات من الاختلاف-وهنا نقول انه بدلاً من ان يكون الاختلاف ظاهرة صحية تغني العقل والجسم بخصوبة في الرأي-وإضافة عقل الى عقل-انقلب الاختلاف الى وسيلة للتآكل الداخلي والإنهاك ويتطور ليعمل أخاديد تسيطر على الشخص يعدم صاحبه الإبصار الا الى مواطن الاختلاف فينقلب الظني الى قطعي والمتشابه الى محكم وتنقلب الآراء الاجتهادية الى ضرب من ضروب التعصب والتحزّب الفكري والتعصب السياسي والتخريب الاجتماعي، ولعلّ جزءاً من الواقع هو اعتقاد البعض ان الصواب والزعامة وبناء الكيان إنما يكون باتهام الآخرين بالحق والباطل حتى نصل الى الفجور في الخصومة لان الاشتغال بعيوب الغير والتشهير بها والإسقاط عليها لم تترك لنا فرصة التأمل في البناء الداخلي نختلف ولكن لا نتفرق- غابت عنا الجوامع المشتركة، ولكننا ما اسرع ان يكون الاختلاف مدخلاً للقطيعة والاتهام-وقد اتفقت كلمة علماء الأمة على ان احكام الشريعة معلله بمصالح العباد ولأجلها شرعت ان تعميق معاني الأخوة من القربات التي نتصدى بها لكل العقبات -
ان اختلاف موسى مع فرعون لم يمنع حاشية فرعون عندما قال (ذروني اقتل موسى)-قرار- جاء جواب البطانة- كما سجل القران الكريم (قالوا ارجه وأخاه)-اَي تمهّل وأشاروا عليه بجمع السحرة-لم يبادروا الى القول بأنه يستحق القتل ويتخلصوا منه- وعلى هذا فقِس- لكل قرار يمكن ان يتخذ-بالتريث وتقليب الأمور على جوانبها للوصول الى الأسلم والأكثر رشداً.
ان لكل قرار يتخذ تداعياته، على كل المستويات، فالقرار السياسي يؤثر على الاقتصادي والإداري والإعلامي، وكذلك القرار الاقتصادي له تداعياته على الفرد والمجتمع والسلم المجتمعي، وهذا يدعونا الى اعادة ترتيب الأولويات في البعد الاقتصادي، فالطريق الذي يكلف الملايين ضروري-ولكن إطعام الجائع أولى-فالأسرة والدولة-والمؤسسات كل له أولوياته-وتوقيت القرار وزمانه مهم فما يمكن ان يقبل في ظرف يمكن ان لا يقبل في ظرف آخر.
ان اختلافنا ينبغي ان لا يكون سبباً لتناحرنا اذا كان الاختلاف بعيداً عن الهوى والمصلحة الشخصية، فالتحديات التي تواجهنا كبيرة ولا يمكن ان تقابل وتحلّ بالاختلاف
الراي