مؤسّسة الفكر العربي: تقرير محور ندوة علمية بالتعاون مع الكويت للتقدّم العلمي
13-12-2018 02:09 AM
عمون - لا يزال تقرير مؤسّسة الفكر العربي العاشر للتنمية الثقافية الذي صدر تحت عنوان "الابتكار أو الاندثار. البحث العلمي العربيّ: واقعُه وتحدّياته وآفاقه"، يستقطب اهتمام مراكز البحوث العلمية في الوطن العربي، إذ عُقدت لهذه الغاية ندوة هي السابعة في هذا الإطار، نظّمتها مؤسّسة الكويت للتقدّم العلمي بالتعاون مع مؤسّسة الفكر العربي، وذلك في جامعة الكويت- الخالدية، بحضور رئيس جامعة الكويت الأستاذ الدكتور حسين الأنصاري، وعضو مجلس أمناء مؤسّسة الفكر العربي سعادة الشيخ جواد بو خمسين، والدكتورة سهام الفريح أستاذة في كلية الآداب بجامعة الكويت وعضو مشارك في مؤسّسة الفكر العربي، وعدد من الأكاديميين والمختصّين والمثقّفين من دولة الكويت.
استهلّ الندوة مدير عامّ مؤسّسة الكويت للتقدّم العلمي الدكتور عدنان أحمد شهاب الدين، فنوّه بالدور الريادي لمؤسّسة الفكر العربي، التي استطاعت منذ انطلاقتها في العام 2000 تحقيق إنجازات رائدة على صعيد الفكر والثقافة والمعرفة في الوطن العربي، وتمكّنت من خلال تقاريرها المتميّزة، ومؤتمراتها الفكرية المتنوّعة، من إحداث نقلة نوعية في التنمية الثقافية، والتفكير الاستشرافي، والتخطيط المنهجي للمستقبل، فضلاً عن رفد الجهات الحكومية العربية بتوصيات تُسهم في نهضة مجتمعاتها وتطوّرها وازدهارها، وإغناء المكتبة العربية بإصدارات قيّمة وإثراء المعرفة لدى الجمهور العام، وتعزيز الفكر النيّر في المجتمعات العربية.
وأوضح شهاب الدين أنّ رسالة مؤسّسة الكويت تتمثّل في تحفيز تنمية القدرات البشرية ودعمها والاستثمار فيها، والإسهام في بناء قاعدة صلبة للعلم والتكنولوجيا والإبداع، وتعزيز البيئة الثقافية الممكنة لذلك. وركّز على ثلاثة أهداف رئيسة تنطلق المؤسّسة منها في إطار خطّة عملها الاستراتيجية، وهي: الإسهام في نشر الثقافة العلمية، ودعم بناء القدرات البحثية الوطنية وتوجيهها نحو أولويات التنمية، والإسهام في خلق بيئة حاضنة ومحفّزة على الابتكار على مستوى الأفراد والشركات.
وتحدّث عن الثورة المعرفية التي يشهدها العالم المتقدّم، والتي لم تواكبها خطوات مماثلة في تسارعها الكبير في العالم العربي؛ مشيراً إلى وجود فجوة حضارية وتكنولوجية كبيرة تتّسع باطراد بيننا وبين هذا العالم، وما زالت خطواتنا نحو التقدّم العلمي والمعرفي تتّسم ببطءٍ شديد، مركّزاً على دور الحكومات العربية في تشجيع الشركات العاملة في القطاع الخاصّ على دعم البحث العلمي والعطاء المعرفي، من خلال سياسات وآليات عدّة، منها الإعفاء الضريبي وتهيئة البنية التحتية المناسبة، وتوجيه الإنفاق نحو تلبية أولويات التطوّر والنهضة في الدول العربية.
وتحدّث مدير عام مؤسّسة الفكر العربي البروفسور هنري العويط فأكّد أنّ هذا التقرير ليس الأوّل والوحيد الذي سلّط الضوء على شؤون البحث العلمي وشجونه في منطقتنا العربية، ولكنّه حدّث أرقام التقارير السابقة ومعطياتها، وقدّم إحصائيّات وبيانات وأرقاماً دقيقة وموثوقة، وهو يأخذ في الاعتبار ما حفلت به أنشطة البحث العلمي والتكنولوجيا والابتكار في السنوات الماضية أيضاً، على الصعيد العالمي، ويوجّه الاهتمام إلى محاور غير مطروقة تتّصف بأولويّتها على الصعيد العربي، فضلاً عن الطابع الشمولي والمتكامل الذي يمتاز به، وغزارة الموضوعات الجديدة التي غابت كلّياً عن التقارير المماثلة السابقة.
وأشاد العَويط بدور مؤسّسة الكويت للتقدّم العلمي وإسهاماتها، منوّهاً بالمشروعَين التجريبيّين اللذَين نفّذتهما في مجال تكنولوجيا الطاقةِ المتجدّدة، وبالمبادراتِ التي أطلقتها، والبرامجِ التي رعتها، فضلاً عن شراكتها النموذجيّة مع القطاعِ الخاصّ، وتجديدِ التزامها، بأداء "دورِها المعرفيّ والرياديّ بهدف تحويل اقتصاد الكويت من اقتصادٍ ريعيّ إلى اقتصادٍ قائم على المعرفة". كما أشاد بدور جامعة الكويت العريقة في إدراك أهمّية البحث العلمي باعتباره واحداً من أبرز روافد التنمية المستدامة، وحرصها على توفير البيئة الملائمة لتوطين المعرفة وانتاجها.
الأمين العامّ للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان الدكتور معين حمزة رأى أنّ المنطقة العربية تفتقر إلى سياسات خلّاقة وخطط مُجدية، ولا تحتلّ أيّ موقع متقدّم في الحضارة الحالية، وذلك بعد أن فاتتنا ثورات الزراعة والصناعة والذرّة وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي وغيرها. وأكّد أنّ ما تمرّ به البلدان العربية من أزمات يعود إلى فشل وقصور مُزمنَيْن في استثمار المعرفة وتطويعها، بغية إحراز غايات التنمية الشاملة والمُستدامَة؛ كما لفت إلى أنّه، وعلى الرغم من الطابع السلبي الذي تتّصف به منظومة العلوم والتكنولوجيا والإبتكار، فقد تحاشى التقرير أسلوب "جلد النفس" أو المُحاباة، واعتمد مُقاربات جديدة تربط أنشطة البحث العلمي بأهداف التنمية المستدامة، ومنهجاً مركّباً ثلاثيّ الأبعاد، يشمل التوصيف والتحليل والاستشراف.
وخلص حمزة إلى أبرز الاستنتاجات التي توصّل إليها التقرير، وأهمّها: تشتّت سياسات العلوم والتكنولوجيا بين العديد من الوزارات والمؤسّسات، الأمر الذي أدّى إلى هدْرٍ في الجهود والمَوارد، شحّ الدراسات والأبحاث في مضمار العلوم الاجتماعيّة وتطبيقاتها الذي يعيق الانسجام المجتمعي، وتفاوت مقاربة الحكومات العربية لملف هجرة الكفاءات، وهي في الأغلب تفتقد السياسات الممنهجة والآليات المحفّزة؛ محذّراً من أنّ التكامل العلمي العربي لم يعد ممكناً أن ينتظر تحقيق التنسيق والتكامل السياسي، فالتحدّيات متشابهة ولم ولن نتمكّن من حلّها منفردين مهما تعاظمت أعداد العاملين فيها.
وركّز مدير مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية الدكتور محمد الرميحي على أهمّية التقرير الذي يعدّ عملاً موسوعياً ومؤسّسياً مهمّاً ومفيداً للتنمية العربية، وهو يسهم في توفير قاعدة بيانات من المعارف العلمية والبيانات، وقد أثار نقاطاً مهمّة تحتاج إلى نقاشٍ معمّق، ومنها دور الجامعات الخاصّة، وإطلاق رؤى التنمية، محذّراً من ضمور القناعة بأهمّية البحث العلمي على مستوى متّخذي القرار، وشدّد على دور الحرّيات، وخصوصاً في مجالي البحث العلمي والبحوث الاجتماعية.
ونوّهت وزيرة التربية والتعليم سابقاً الأستاذة المحاضرة في جامعة الكويت الدكتورة موضي الحمود باعتناء التقرير بالبحث والتنقيب عن واقع البحث العلمي وتحدّياته ونواتج المعرفة، والتي تعدّ المحرّك الأهمّ للتنمية والتطوّر في عالمنا اليوم بمكوّناته المعرفية ونتائجه التنموية. وانطلقت من نقطتين أثارهما التقرير، وهما الأكثر تأثيراً في واقعنا الحالي، وعليهما يرتكز الأساس السليم لأيّ انطلاقة للنهوض والاهتمام بجهود البحث ونواتج المعرفة، الأولى: ضعف نظم التعليم وتخلّفها في المدارس والجامعات، إذ لم تتحرّر من موروثات المناهج التقليدية التي تغيب فيها إلى حدّ كبير مكوّنات مهارات التعلّم الأساسية، كالتفكير النقدي، والقدرة على الفهم والإدراك، والبعد عن التلقين، وكذلك يتراجع فيها التدريب على المهارات التكنولوجية الحديثة.
النقطة الثانية تتعلّق بدور المرأة العربية في إنتاج المعارف وتواجدها في المشهد العلمي والتكنولوجي، وتضاؤل فرصها من التعليم في مراحله المختلفة، ونسب التحاقها بالتعليم العالي، وخصوصاً في حقول العلوم والتكنولوجيا والرياضيات والهندسة.
وأكّد رئيس جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا في الكويت الدكتور وليد بوحمرا على دور البحث العلمي والتفكير البنّاء والابتكار، في تشخيص المشكلات واقتراح الحلول لدفع عجلة التنمية المستدامة، ورسم خريطة مستقبل لدولنا العربية. ودعا إلى دعم دور العلماء، ودفع العملية البحثية، وتعزيز قدرات العلم والتكنولوجيا، للوقوف بثقة أمام تحدّيات عالمنا العربي المعاصر المتسارعة، وتغيير واقع البحث العلمي العربي.
وتحدّث بوحمرا بإسهاب عن تجربة مؤسّسة الكويت للتقدّم العلمي من خلال البرامج والاتّفاقيات الدولية، والمبادرات التعاونية بين الكويت ومعهد "ماساشوستس" للتكنولوجيا، مُقترحاً جملة توصيات للإسهام في الارتقاء بمستوى التعاون البحثي الدولي المشترك، وفي مقدّمها: إنشاء صندوق تمويل عربي متخصّص في دعم البحوث العلمية العربية الدولية، وإنشاء لجنة مشتركة تضمّ علماء من دول العالم العربي تتولّى مراجعة القوانين والنظم الحالية المتعلقة بالبحث العالمي، وإنشاء المزيد من المراكز المتميّزة للبحث والابتكار على غرار تجربة مؤسّسة الكويت للتقدّم العلمي، لرعاية البحوث التعاونية المشتركة في مجالات المياه والطاقة والبيئة والصحة وغيرها، بما يخدم التنمية الشاملة والمستدامة على مستوى العالم العربي.
وأكّد الرئيس التنفيذي لمركز أبحاث الطاقة والبناء في معهد الكويت للأبحاث العلمية الدكتور أسامة عبدالله الصايغ على دور رأس المال البشري والبحث والتطوير، في عملية الابتكار على المستوى المحلّي والتأثير الدولي للمعرفة، وهذا الامتداد الدولي يؤدّي إلى النموّ الاقتصادي وبالضرورة يؤدّي إلى تنوّع الاقتصاد. وأشار إلى أنّ البحث والتطوير يؤدّي إلى الاختراعات والابتكارات، وهذا يؤدّي إلى تحسين أداء وخدمات ومنتجات القطاعات الإنتاجية، والذي يفتح الأبواب على الأسواق العالمية.
ودعت مساعد نائب مدير جامعة الكويت للأبحاث ومدير مكتب التعاون البحثي الخارجي والاستشارات الدكتورة ليلى معروف إلى إنشاء مركز وطني للعلوم والتكنولوجيا والابتكار يصوغ السياسات العلمية والتكنولوجية والأولويّات البحثية الوطنية، ويعزّز التفاعل بين مراكز الأبحاث والجامعات من جهة وقطاعات الإنتاج والخدمات من جهة أخرى. كما دعت إلى معالجة الفجوات المعرفية في القطاعات المختلفة من خلال تعزيز السياق التنظيمي لإنتاج المعرفة وتبادلها واستخدامها، ورأت أنّ الاقتصاد المعرفي لا يعتمد على أداء المؤسّسات العلمية منفردة بل على شبكة متعاونة بين المؤسّسات العلمية والمعرفية، والقطاعين العام والخاص.
ولفت الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية في الكويت الدكتور خالد المهدي إلى أنّ المؤشّرات الدولية، وخصوصاً منها مؤشّر البنك الدولي الأخير، ومؤشّر الابتكار، ومؤشّر رأس المال البشري، تؤكّد أن وضع الدول العربية في مجال البحث العلمي ورأس المال البشري المعرفي، أصبح أسوأ مقارنة بالأعوام السابقة، داعياً إلى زيادة الإنفاق على أنشطة البحث العلمي في الوطن العربي، محذّراً من أنّ عدم تمكين المرأة في جميع القطاعات قد يؤدّي إلى تعطيل النموّ الاقتصادي.
وقد تميّزت الندوة بنقاشٍ حيويّ امتدّ على مدى ساعتين بمشاركة الحضور، وتركّز على ضرورة إيجاد آليّاتٍ فاعلة لتطبيق استراتيجيّات البحوث والابتكار، وتشجيع الشراكات مع القطاع الخاصّ، وسبلِ إقناع صنّاع القرار من أجل زيادة الدعم المالي المخصّص للبحوث، وإيجاد الحوافز اللازمة لضمان مشاركة القطاع الخاصّ في تمويل البحوث، وفي اعتماد وتطبيق نواتجها.