هتافات ومطالب الشارع ما بين الممكن وغير الممكن
اللواء المتقاعد مروان العمد
13-12-2018 01:14 AM
بعد حالة الإحباط التي شعر بها المواطن الأردني بعد ان بنى آمالاً واسعة على حكومة دولة السيد عمر الرزاز والتي تجاوزت المعقول والمتاح ، وبعد إقرار القانون المعدل لضريبة الدخل الذي اسقط حكومة دولة السيد هاني الملقي اثر اعتصامات الدوار الرابع في ليالي رمضان الماضي بعد تعديلات طفيفه علية ، تنادى عدداً من الأردنيين ومن خارج التنظيمات الحزبية والنقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي للاحتجاج على هذا القانون وإسقاطة من خلال العودة الى الاعتصام على الدوار الرابع . وقد دخل على هذا الخط بعض الذباب الإلكتروني في الخارج محاولاً استغلال الحالة الشعبية ليحرف هذا التحرك عن مسارة وعن مطالبة وبما يخدم أجنداتهم المعادية للبلد . وبالرغم من ثبوت عدم نجاح هذا الذباب في محاولاتة الا انني ومن خلال متابعاتي للكثير من الفيديوهات من الاعتصامات التي جرت فقد لا حظت تنوع الهتافات والمطالب وتعددها وارتفاع سقفها في بعض الأحيان ومع ارتفاع حرارة الأحداث، وخاصة أنة لا توجد قيادة لهذا الاعتصام تسيطر على مجرياته . ودون ادراك ان زيادة المطالب تجعل من تحقيقها أمراً اكثر صعوبة وتزيد من حدة الخلاف مع الحكومة وطرح مطالب أخرى جديدة ورفع سقفها ليصل ربما الى رأس النظام . وهذا الامر حدث ويحدث في الكثير من تحركات الجماهير في الشارع فقد خرج بعض الفرنسيين ممن اطلق عليهم اصحاب السترات الصفراء للأحتجاج على ارتفاع اسعار المحروقات ومع استمرار الاحتجاجات وحصول الاشتباكات فقد اصبح المطلب الواحد أربعين مطلباً واستمرت حركة الاحتجاجات بالرغم من تراجع ماكرون عن قراراتة برفع الأسعار وأخذت المطالبات تمتد لتشمل كل النواحي الاقتصادية والسياسية وتطالب بتخفيف كل الضرائب وزيادة كل الأجور وبكلف تعجز الحكومة الفرنسية عن تحقيقها لتمتد هذا المطالب الي استقالة الحكومة الفرنسية ثم الطلب باستقالة الرئيس ماكرون نفسة والذي لم يمضي وقت طويل على وصوله للسلطة باغلبية شعبية كاسحة بالرغم من عدم استنادة الى قاعدة حزبية ، أي حسب تعبيراتنا انه قادم من الشارع مما يعني إسقاط الجمهورية الفرنسية الخامسة وولادة الجمهورية السادسة ناهيك عن أعمال الفوضى. والنهب والالتخريب والحرق التي يمارسها المحتجون في الشوارع ومن قبل شعب من المفروض انه متمدن ومتحضر ويحترم القانون ويقوم بالتزاماتة للدولة والتي تقوم هي بما عليها اتجاهه ولنكتشف ان حجم التهرب الضريبي السنوي عندهم حوالي ثمانين مليار يورو في السنة وان نسبة الضرائب المباشرة على الدخل الفردي تبلغ عندهم حوالي الخمسين في المائة وهي الأعلى في العالم . وكما حصل في مطالب شعبية انطلقت من خلال الشارع في بعض الدول من حولنا والتي تطورت لتتحول الى حروب أهلية في العديد منها ولازالت الدماء تنسكب في شوارعها.
وقبل ان ادخل في التفاصل فأنني أعلن انني اتفق مع الكثير من مطالب المعتصمين وفي ممارسة حقهم بالاعتصام والتظاهر بهدف تحقيق غاياتهم ومطالبهم مع وجود بعض الملاحظات لي عليها وعلى أولويات تطبيقها . كما انني لا اتفق مع بعض الأصوات التي انطلقت من أشخاص هم لا يختلفون عن ذباب الخارج في اهدافهم ومراميهم والذين هم مرفوضون من قبل المعتصمين أنفسهم.
كما اود ان أشير الا انني لن اتعرض في حديثي اليوم للجانب الحكومي لا سلباً ولا إيجاباً تاركاً ذلك لحديث آخر .
اول ملاحظاتي ان الهتافات والشعارات كانت تُرفع بعفوية تخلو من تبيان كيفية تطبيقها على ارض الواقع وإمكانية ذلك وتبعاته الدستورية والقانونية وانها كانت ترتفع بتنوعها ووتيرتها من لحظة لأخرى ودون تنسيق او نظام وكل واحد يرفع الشعار والهتاف الذي يريده حتى وصل الامر الى المطالبة بحقوق الكلاب .
وأول هذه المطالب التي سوف اتحدث عنها رحيل الحكومة . وانا اذا كان رحيل الحكومة يحقق مطلباً من مطالب المعتصمين فأني من اول المطالبين برحيلها . لكن ماذا بعد رحيل الحكومة وما نوع وصفة الحكومة القادمة وآلية تشكيلها .
البعض من المعتصمين طالب بحكومة منتخبة من قبل الشعب من غير ان يوضح كيف يمكن ان يتم ذلك . هل يتم من خلال انتخابات عامة وفتح الباب لمن يريد ان يرشح نفسة لرآسة الحكومة او لمنصب كل وزارة من الوزارات ثم يقوم الشعب بانتخاب من يراه مناسباً وتشكيل الحكومة من الحاصلين على اعلا الأصوات لمنصب رآسة الوزراءاو مناصب الوزراء دون ضمانة ان الناجحين يشكلون تجانساً في افكارهم وبرامجهم وقدراتهم ومتناسين ان ذلك يحتاج أولاً تعديلات جوهرية على الدستور والذي ينص ان جلالة الملك يعين رئيس الوزراء والذي علية ان يختار الفريق الوزاري ثم تصدر إرادة ملكية بتشكيل هذا الحكومة وبالتالي نزع هذه السلطة من جلالة الملك مما يغير مفهم وأوصاف الملكية في الاْردن وهذا موضوع سوف أتطرق آلية في وقت لاحق .
أو ان تجري انتخابات على أساس حزبي وهذا ويتطلب أولاً تعديل قانون الانتخاب بقانون عصري وحديث وتواجد احزاب كبيرة ذات برامج وخطط معلنة مسبقاً وقادرة على فرز مرشحين قادرين على العمل وفق برنامجها وبحيث يقوم المواطن بانتخاب الحزب الذي يرى ان برنامجه وخططه وأهدافه قريبة من قناعاته وان المرشحين بأسم هذه الأحزاب صالحين وقادرين على تحقيق هذه الأهداف . وهذا الامر غير متوفر حالياً وسأعود للحديث عنه لاحقاً .
أو عن طريق حكومة إنقاذ وطني وهنا نعود الى اشكالية من يشكل هذه الحكومة ويسمي رئيسها ويوافق على أعضائها ، ومن هم اصلح الناس ليكونوا أعضاء فيها وهل سوف تحوز أي حكومة مشكلة بهذة الطريقة على اجماع الجماهير او على الأقل أغلبيتهم أم انه سوف تحصل انقسامات واسعة حول من سيتم تعينهم وفيما اذا كانت فعلاً تضم الافضل ، أم ان كل شخص او مجموعة سترى ان هناك من هو أفضل وندخل هنا في سجال ونقاش وإشادة وتخوين وخاصة مع غياب المعيار الذي يحدد من هو الافضل وعشرات الآلاف الذين يرون بأنفسهم انهم هم الافضل .
أم ان يتم تشكيل حكومة جدية يعهد لأحد الشخصيات من ذوي السمعة الحسنة لتشكيلها ، و هنا سنعود للوقوع في فخ نفس النهج وسيكون تشكيل الحكومة بناءّ على علاقات الرئيس المكلف واتصالاته الشخصية ، ولن ترضي اختياراتة هذا المواطنين بأجمعهم حتى لو ضمت أفضل الشخصيات لأننا حينها سنعود لنفس الموال فيمن احق بأن يكون فيها ومن هو الأصلح وما معيار قياس الأنظف بالاضافه الى المطالبة بالتوزيعات الجهوية والعشائرية .
ثم ولو على فرض قد تجاوزنا كل هذا المعيقات وتم تشكيل حكومة تحت تأثير الشارع ومباركته هل من ضمانة ان من سوف يصبحون في السلطة لن يتحولوا الى فاسدين تحت تأثير مغريات السلطة وسحرها وما توفرة من امتيازات ، ولقد مررنا بتجارب كثيرة من هذا النوع كانت مصدر خيبات امل لنا .
وحتى على فرض ان الوزارة الجديدة شكلت من خيرة الخيرة ولم ينحرف أياً من أعضائها عن مبادئة في خدمة الوطن هل من الممكن ان تحل جميع مشاكلنا بمسحة واحدة مع بعض المرهم على الجرح ؟ هل يمكنها إصلاح كل الأخطاء والخطايا التي تراكمت على ظهر على مدار سنوات طويلة تمتد لتشمل عمر هذه الدولة في فترة محدودة ؟ هل يمكن ان يتم تسديد العجز المالي وإلغاء الضرائب وترخيص الأسعار وزيادة الرواتب والقيام بمشاريع تقضي على البطاله واستخراج ثروات الوطن ومحاسبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة واستعادة مقدرات الوطن المباعة في فترة زمنية قصيرة ودون وجود إمكانيات مادية لتحقيق ذلك ؟ وهل سوف تستطيع هذه الحكومة احداث الفرق بالسرعة التي يتطلبها الشارع الأردني ؟ ام انها سوف تحتاج الى فترة طويلة لتحقيق ذلك وتقوم في البداية بطرح خطة عمل لها تتضمن الكثير من الوعود التي يمكن ان لاتستطيع تحقيقها لظروف خارجة عن ارادتها ، بينما هي واقعة تحت أنظار شارعٍ عانا الكثير ولم يعد يملك ترف الانتظار . شارعُ يريد ان ينام ليستيقظ قبل يوم الخميس التالي وكل مطالبة وحقوقه وحتى أحلامه قد تحققت والا فأنة سوف ينزل الى الشارع مجدداً وسيكون نزوله حينها مدوياً وبلا سقوف على قدر خيبة امله وليهتف مطالباً بسقوط اسوء حكومة بتاريخ الأردن والتي هي دائماً الحكومة الأخيرة . هذا اذا لم يهتف بما هو اكثر من ذلك
.
هذا لا يعني انه لا يوجد حل وسوف أضع تصوري الخاص به ولكن بعد استكمال مناقشة مطالب وهتافات الشارع في مقال قادم