لعله من الصواب القول أن قانون الجرائم الالكترونية يعود بالاصل الى الجرائم المتعلقة بالجانب الفني الالكتروني وتنظيم عملية الاستخدام بحيث يضمن حقوق الناس وعدم التدخل و العبث فيها , وبنفس الوقت تنظيم التعامل مع التجاوزات على المعلومات المخزنة بكافة اشكالها الرقمية سواء بالتغيير أو السرقة أو الحذف...الخ .
وقد اضطرت جهات امريكية واروبية (بريطانيا ) التأكيد على ذلك بعد ماتطاول البعض وتسلل التسللات الى اجهزة الغير وحساباتهم البنكية , والتلاعب والاطلاع على المعلومات السرية والحسابات البنكية واستخدامها لاثارة المشاكل بين عملاء البنوك والمؤسسات العامة والخاصة . غير أن هذه الدول عالجت طبيعة العلاقة بين المواطن ومضامن هذه الوسائل الاتصالية من خلال التشريعات الاعلامية الاتصالية مركزة على مفاهيم الديمقراطية باعتبارها ثابت يجب الحرص عليها , على أن يكون القضاء هو الفيل الذي يلجأ اليه كل متضرر وفقا للقوانين الاجتماعية والاعلامية . التي ترفض اي اساءة أو تعليق غير مبررة او الدخول لحياة الناس الشخصية باعتبارها حقوق لا يجوز التدخل فيها , وهي جميعها قواعد تحد من تغول البعض على هذه الوسائل الاتصالية .
اما في الأردن فنحن امام قضية هامة , الا وهي مدنية الدولة التي يقوم الاعلام بدور هام جدا في حركة التوعية والتعليم والتثقيف والتوجيه لمختلف قطاعات الدولة ولهذا فقد حرص جلالة الملك وفي رؤياه الاعلامية على توسيع قاعدة مشاركة الناس في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومنح الاعلام المزيد المزيد من الحرية والانفتاح والتفاعل مع العالم والتشاركية مع المجتمعات ووسائل الاعلام العالمية لاستحضار التجارب والخبرات واختصار الزمن , واصبحت الديمقراطية عنوان لانطلاقة الاردنية في رؤية الملك الاعلامية التي طالبت بالصناعة الاعلامية وتطويرها واعطاء صورة متطورة عن واقع الحريات ومستوى الديمقراطية في هذه الدولة الملكية المدنية ,التي تحترم مواطنها وممثليه الذين يشرعون ويرسمون خارطة الوطن الحاضرة والستقبلية.
لهذا حث الملك في كتب التكليف السامي على اهمية الاعلام وتوفر افاق تطال عنان السماء في الحرية والبدء بمسيرة التربية الوطنية الاعلامية ليصار الى تحويل المبادىء والافكار الديمقراطية لسلوك . وبشكل متوازي صياغة القوانين والتشريعات التي تدعم هذا التوجه , خاصة وأن الرؤية انطلقت من التطور الكبير الحاصل على وسائل الاعلام وخصائصها الجديدة بفضاء مفتوح وجمهور وصل سكان الكرة الارضية والذي تكرر مرارا على لسان الملك في معظم المحافل الدولية . ولكن ما هو واقعنا الان بعد مرور 15 سنة على انطلاقت هذه الرؤية .
؟. بينت مؤشرات حرية الصحافة العالمية لمنظمة مراسلون بلا حدود الفرنسية ان تصنيف الاردن من حيث ترتيب ممارسة الحرية بلغ 132 من اصل 180 دولة في العالم , وهذايشير الى أننا نقبع في ذيل ترتيب الدول , في الوقت الذي بين
مؤشر بيت الحرية في امريكيا الذي يقيس تطبيقات الحرية في الدول صنفنا باننا من الدول غير الحرة وبترتيب 115من اصل 123 دولة دخلت القياس وهو مؤشر ضعيف على مستوى ممارسة الحرية .
تعتبر وسائل التواصل لاجتماعي من الوسائل الهامة التي ساهمت بخلق ثورة اتصالية معلوماتية فاقت كل تصور وأن الدولة الناجحة هي الدولة التي تستطيع تفعيل دور هذه الوسائل ضمن اطار سياساتها وتوجهاتها واستراتيجياتها فهي تقود الفضاء المفتوح وتتخطى حدود المكان والزمان وتتطلب خبرات قليلة لمارسة الاتصال وتشكيل جماعات افتراضية وهذا من شأنه توسيع قاعدة التواصل والتفاعل وتبادل الخبرات والمعرفة , فلماذا اذا نحاول خنقها والتقليل من فاعليتها وارتداء الثوب الاسود قبل الخوض باعماقها . فهناك 3 مليارات شخص حول العالم يستخدمون مواقع التواصل لاجتماعي اي 45% من سكان العالم . وفي الاردن هناك 7-8% مليون فرد يستخدمونها , اي بنسبة تزيد عن 80%من السكان ويعتبر الفيس من اهم هذه الوسائل حيث يتعامل يوميا مع800 مليون جمله و 200مليون صورة و, و100 مليون مقطع. والسؤال المطروح هل نحن بحاجة لتعديل قوانين أو احضار قوانين تنظم ممارسة هذه الوسائل وتوجهها , أم نحن باجة الى قوانين ردع لجمح كباح المبالغين والمتعدين على حقوق الاخرين ؟
فالاساس كما يقوله البرفسور على رمال "هو حماية الحرية من مستغلي الحرية سواء على مستوى الفرد أو الدولة
ويجب علينا ان نبحث المنهج الاساسي في تعزيز مفاهيم الحرية والديمقراطية و أن نجعل من الحرية سبيلنا للتطوير والنمو والتقدم . فكبح الحريات يعني التخلف والتراجع" .
اذا هل تعديلات القوانين وآخرها الجرائم الاكترونية قانون اصلاحي أم تراجعي ؟ وما هي معايير الاصلاح فيه ومن رواده وفلاسفته ؟ هل جاء لكبح المزيد من الحريات , ام تنظيم التعامل معه حرصا على الامن والسلامة الاجتماعية ؟ واين رواده وفلاسفة كل طرح . ولكن دعونا قبل هذا وذاك ان ندخل لمفاهيم ذكرت بالاسباب الموجبه للتعديل علنا نجد فيها ما يعزز عملية التغير , لكن يجب علينا أولا أن نعرف مفهوم الحرية لنفرش القاعدة التي يجب ان نسير عليها والغاية التي هي احد ثوابتنا الوطنية تجاه مستقبل ومجتمع مدرك واعي متصالح مع ذاته . فهل مفهوم الحرية الحقيقي يسمح أو يؤدي لشيوع الكراهية وتويل المجتمع لاقطاب متصارعة يرفض بعضها البعض . وما علاقة الحرية بالكراهية ومتى يكون التعبير عن الكراهية ومعانيها هو صور من ممارسة الحرية .
فما هي الحرية : "انها المصلحة الحقيقية للإنسان " كما قال الفيلسوف الامريكي والاعلامي هوكنغ عام 1948, "وهي صانعة المجتمعات وهيويتها وهي حق وواجب ومسؤولية".
العالم والفيلسوف الليبرالي الانجليزي جون لوك قال : "الحرية ليست حقا طبيعيا يعطى دون مقابل بل حقا مشروطا بمسؤوليات يمارسها الانسان تجاه نفسه وتجاه مجتمعه فلا يجوز احتكارها او الاعتداء على حريات الاخرين اي أن لا يقوم أحد بالاعتداء على الاخر ومن فعل فهو اعتداء وخروج عن رغبة الخالق ".
دراسات قام بها معهد بيو للدراسات في وشنطن دي سي لخصت : " إن استخدام الناس لمراكز التواصل الاجتماعي جاء للتنفيس عما بداخلهم ,وخاصة لدى الرجال وإن التعليقات ليست أكثر من ردود انفعالية نابعة من الضغط والتوتر . وخاصة النساء . وتوصل الباحثون .
معهد ساتشو سنتر للتكنولوجيا في كامبرج بين ان 70% من الاخبار على منصاته لديها فرصة للانتشار اكثر من الحقيقة .
قضية المواقع التواصلية الاجتماعية هم عالمي لم يسلم منها الرئيس الامريكي ترمب نفسه عندما غرد مرات ومرات أن الصحافة وووسائل التواصل غير صادقة ومفتريه وتمارس القدح والذم والتشهير , فكم هي الدراسات التي نشرتها وسائل لاعلام وتتهم الرئيس (بالهمجي ) و(لا يصلح لادارة الولايات المتحدة ) (رجل بزنس ويجري صفقات شخصية على حساب مصالح امريكيا ),( التشهير بنتائج الانتخابات والتدخل الروسي ) , لكنه لم يطلب من الكونغرس او الادراة النظر في ايجاد تشريعات لمواجهة ذلك أو إجراء تعديلات أو تغيير نصوص القوانين لردع الكذب والاشاعة والتمسك بالحقيقه , ويعود السبب لوجود توافق عام وثوابت اقوى من القوانين , تنطلق من أن الديمقراطية والحرية قضية مقدسة لا يجوز المساس بها وان اي ممارسات تحدث لا تعيب الديمقراطية بل تعيب الممارسة والشخوص التي تمارسها ومردها يحكم بها القضاء , دون أن نجد تفسيرات ومبالغات تنعكس سلبا على المجتمع والمستوى الديمقراطي في البلد. فإذا شعر نائب أو مسؤول أنه تعرض للاساءة التي يعتقد انها ذم أو تشهير أو قدح فعليه بالمحكمة لبيان الخيط الابيض من الاسود .والقصد من عدمه وهو موجود في المادة 38 من قانون المطبوعات والماده 150 من قانون العقوبات فلماذا التكرار في قانو الجرائم الالكترونية .
ان مفهوم الكراهية الذي نرفضه جميعا ونحاربه جميعا يجب أن يرتبط بالاساءة المقصودة والتحريض وبالتالي الاقصائية ,اذا اردنا ان نصنفه بخطاب الكراهية , فخطورة الكراهية في التعريف الاجتماعي وسيسيولوجيا المجتمعات هو التفريق وتمزيق وحدات المجتمع والتاثير على نفوس الناس بالاقصاء أو العزل الذي تمارسه جماعة ضد جماعة او قيام الفرد عبر وسائل الاعلام . فالكراهية مفهوم ذات ابعاد وانماط ,, ولا يجوز اطلاقه أو فهمه كما يريد الفرد وعلى كواهله , فالكراهية مرتبط بالاقصاء , والدعوة لتفتيت المجتمع والتاثير على سلامته وأمنه الاجتماعي وعلى مستوى الفرد أو الجماعة, فاذا تولدت الاساءة والتحريض لاقصاء مجموعة اوفئة أو طائفة , وينشأ عنها توتر اجتماعي وفوض قد تؤدي الى تقسيم المجتمع. . فانتقاد مواطن لنائب او لمسؤول لها نواحي متعدده , فاذا اتهمه او جرمه فعليه الاثبات وإلا اعتبر مسيئا واغتال الشخصية وعليه فان قانون العقوبات و قانون المطبوعات عالجا ذلك . ولا داعي للتكرار أو تعميق التركيز على هذا المفهوم على اعتبار أن معالجة ذلك قضائيا ومع مرور الزمن فسوف نجد تراجع وتضائل في نسبة التعليقات المسببه للذم والقدح .
ففي كل مجتمعات العالم هناك دور اكثر قساوة مما نشهده في الاردن واكثر عمقا , لكنه لم يصل مستوى الكراهية باعتبارها حالة يمكن تنميتها وجعلها حقيقة اذا استمرينا اعتبرناه شماعة نعلق عليها ما نريد رغم ضعفها , وشاهدنا الكثير من دعاوي الكراهية وحلقات التعبير , غير أنها تنتهي مع انتهاء الحدث وتؤد في مكانها فلماذا نصر على ايجادها لإبراز المجتمع كوحدة متفتة . دعونا نركز لى ثوابت الديمقراطية باعتباره حق ينتزع .
مجتمعنا مجتمع متراحم متكافل متكامل وفيه التواصل الدائم ولمحبة ووحريصين على وطنهم وامنه واستقراره وهذا واضح على مدار السنين والاحداث الماضية . .
خففوا على الناس حتى نمنحهم الثقة ونكسب للصالح العام ولا تفرضوا قيودا يشعر الناس انهم في دولة لا تحرص على رايهم.