دمعت عيناي، وأنا أقرأ رواية باراك أوباما "أحلام من أبي"، إذ يسرد تلك الرحلة المليئة بالمعاناة والتضحية لأسرته، وأجداده، وحياته في أندونيسيا عندما كان صغيراً، ثم دراسته الجامعية ومعاناته المالية والاجتماعية، واشتغاله بالعمل العام والسياسي.
أوباما، ذو الأصول الكينية وابن الطبقة الوسطى المناضلة، أسمر البشر، أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، الدولة العظمى، بعد سنوات محدودة من اشتغاله بالعمل السياسي والعام.
بينما كنت مستغرقاً في قراءة حياة أوباما، بدأتُ أتابع مذكرات د. عبد المنعم أبو الفتوح، أحد أبرز القادة الإصلاحيين في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بل في العالم العربي، والتي انطلق نشرُها مؤخّراً في صحيفة الشروق الجديد اليومية.
المفارقة "بسيطة" للغاية بين تجربتي أوباما وأبو الفتوح! الأول أصبح رئيساً للولايات المتحدة، أمّا الثاني فكان يكتب مذكّراته من سجن ليمان طرّة، سيئ الصيت والسمعة، وقد تدهورت حالته الصحيّة (إذ يعاني من مشكلة في التنفس) ونقلته السلطات إلى مستشفى شعبي في أوضاع إنسانية مُزرية، ورفضت معالجته على نفقتها الخاصة بمستشفى أفضل حالاً.
أبو الفتوح لا يقلّ شأناً عن أوباما، بل هو أفضل منه! فهو طبيب متميز، وحاصل على دبلوم في الحقوق وماجستير في إدارة المستشفيات، ثمّ أصبح الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب، ورئيس اتحاد طلبة جامعة القاهرة سابقاً، وعندما كان طالباً في الجامعة ناظر أنور السادات، وهو ابن أسرة متواضعة في أحياء القاهرة القديمة، كافح وناضل حتى أصبح قامة وطنية رفيعة.
سُجن أبو الفتوح مرات متعددة، ثم هو اليوم يعاد إلى المعتقل على خلفية قضية هزلية عنوانها "التنظيم الدولي" للإخوان المسلمين، وقد زُجّ فيها مع أبو الفتوح بعدد من القيادات الإخوانية من الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات، وتمثِّل القضية الثانية الكبرى للأخوان خلال شهور معدودة بعد قضية "رجال الأعمال" الأخوان، التي اعتُقل فيها خيرت الشاطر، ومجموعة من البارزين في القطاع الاقتصادي بتهمة تشكيل الشبكة المالية لجماعة الإخوان المسلمين.
للتذكير، فإنّ جماعة الإخوان في مصر قد أعلنت منذ العام 1977 تخليها عن العمل المسلّح مطلقاً واعتماد الدعوة السلمية وأكّدت قبل سنوات إيمانها بالديمقراطية والتعددية الحزبية والسياسية، وشاركت في الانتخابات النيابية المصرية الأخيرة وحصدت 88 مقعداً بالرغم من التزوير.
مآلات كل من أوباما وأبو الفتوح تلخّص الفرق بين أميركا (والغرب عموماً) ومصر (والعالم العربي عموماً).. هناك الإنسان مقدّس له كرامته وحقوقه الإنسانية والسياسية والمدنية، والعمل السياسي ليس جريمة نكراء ولا حكراً على اتجاه معين، وهو ميدان لخدمة الصالح العام.
هنا، السلطة أداة مفرّقة لأي اجتماع إلاّ الاجتماع لتأييدها والتصفيق والنفاق لها. أمّا العمل السياسي الحرّ فله كُلفة إنسانية وسياسية باهظة، سواء في السجن أو الاعتقال أو حتى الحرمان من العمل في مؤسسات الدولة، وربما المؤسسات الخاصة!
هناك، تزدهر فنون بناء الإنسان والمؤسسات وتنتعش الحريات الحقيقية، فيكون الإنسان إنساناً. أمّا هنا فتزدهر فنون تحطيم الإنسان والمجتمعات والمؤسسات، ليكون الإنسان مخلوقاً مطيعاً مجرّداً من أي إحساس بالمسؤولية الأخلاقية والأدبية تجاه نفسه ودولته وعالمه، ومستقبله؟!
السلطات المصرية تستكثر على الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب، والسياسي الإصلاحي البارز، أن يتم علاجه في شروط إنسانية أساسية، فماذا تفعل هذه السُلطات يومياً بالإنسان البسيط؟!
إنّنا نتعرّض لانتهاك يومي سافر لأبسط حقوقنا الإنسانية، فكيف نطلب من الآخرين احترام حقوقنا؟!
m.aburumman@alghad.jo