يُسجّل لرئيس الحكومة لقاؤه مع ممثلي الشباب في “الدوار الرابع”، وتمّ تناقل مقاطع فيديو، الليلة الماضية، يستمع فيها الدكتور الرزاز إلى كلام قاس، ويردّ على كلّ مطالبة صريحة جريئة، بقوله:”صحيح… صحيح!”، ولكنّ ذلك جرى في اليوم التالي من إعادة مشروع قانون الجرائم الالكترونية إلى مجلس النواب، بعد يوم فقط من سحبه، ومن ثمّ اجراء بعض التعديلات عليه.
قبلها بيومين، كانت الناطقة الرسمية تُعلن انّ الحكومة ستسحب المشروع من أجل اعادة دراسته بعد طرحه للحوار الوطني، ولكنّ عملية السحب والشطب والتعديل والاعادة لم تأخذ سوى ساعات قليلة، وكأنّ الأمر كان معدّاً مسبقاً، وكأنّ الحوار الوطني جرى فعلاً، ولكنّ ذلك كلّه أتى بارتجالية، وكأنّنا أمام قانون طوارئ يأخذ الصفة المستعجلة غير القابلة للتأخير.
ذلك يشي بأنّ هناك عملاً غير مدروس في العمل الحكومي عندنا، ولا نريد أن نقول إنّه تخبّط، ويشي أكثر بأنّ الاستماع إلى مطالب الناس موجود، ولكنّ الفعل يأتي دون الانتباه إلى الموضوع الحقيقي، والتركيز على الشكل لا أكثر ولا أقلّ.
“قُل ما تريد بصراحة مطلقة، ونحن نفعل ما نريد”، يبدو العنوان الرئيس لما يجري حولنا، وهذا للأسف يزيد الطين بلّة، ويُراكم على كُرة الثلج الباردة، وربّما كرة النار المتوقّدة، وفي الحالتين فالخير ليس هنا، بل في إعادة إنتاج نمط التفكير، والخروج من عناوين وضع التوصيات، إلى سياسات التنفيذ الحقيقية.
اليوم، أيضاً، تخرج توصيات لجنة فاجعة البحر الميت، وفيها الكثير من العناوين المهمّة، ولكنّ برنامج التنفيذ مفقود مفقود، فمن سيضمن اعادة انتاج الجسور المتهالكة، والتنسيق بين أجهزة الدولة، وتوفير طائرات للدفاع المدني، وبناء مساند اسمنتية، وغيرها من التوصيات التي ستجد نفسها يتيمة مع أوّل اختبار حقيقي؟
هذا سؤال طويل سيصعب على الحكومة الاجابة عليه، ولكنّها ستخرج علينا بعد قليل لتقول إنّ الموارد محدودة، و”على قدّ فراشك مدّ رجليك”، وعليكم “شدّ الحزام”، وربّما أنّها تفاجئنا بعد اقرار الموازنة برفع ضريبة المبيعات، وربّما غيرها من أدوات الجباية في سبيل سيجعل من الأزمة متواصلة ومستقرّة، ويا دار ما دخلك شرّ!
ذلك الشاب الذي وقف اليوم أمام رئيس الحكومة متحدثاً بطلاقة من قلب حقيقي، تحت عنوان”معناش، بدناش”، وعدّد مطاليب شباب الدوار الرابع كان أردنياً صادقاً، لا علاقة له بجهات خارجية، وظلّ يُعبّر عن ضمير الناس، وعبّر عنّا بالضرورة.
وأنهى بالقول إنّ كلام عبد الرؤوف الروابدة في “نبض البلد” أمس، كان حقيقياً، فلا نريد أن يأتي وضع اللوم على جهات خارجية للهروب من الاعتراف بأزمتنا الحقيقية، أمّا نحن فنقول: لا نريد أن يأتي من يقول إنّنا نفكّر عنكم ونُقرّر عنكم لأنّنا نعرف أكثر منكم، لأنّ هذا ما أوصلنا إلى هذه النقطة المأساوية من العيش الذي وُعدنا في يوم أنّه سيكون كريماً، وراح الوعد في خبر كان!