لا ندري الى متى سنظل نسمح لانصاف العلماء او حتى لانصاف الاميين ، ان يعتلوا منابر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
لقد كتبنا وكتب غيرنا مئات المقالات مطالبين بضرورة النهوض بمؤسسة المنبر ، لما لهذه المؤسسة العظيمة من دور كبير في بناء المجتمع ، لقد فرض الله عز وجل صلاة الجمعة على عباده ، لتكون مؤتمرا اسبوعيا للامة ، تناقش فيه قضاياها على مستوى عال من المسؤولية ، ولكن للاسف مع تراجع احوالنا على كافة محاور الحياة ، انهار الاهتمام بمؤسسة المنبر ، واصبحت خطبة الجمعة في كثير من الاحيان ، اسيرة الجهل وعدم المعرفة ، حيث اعتلى المنابر انصاف الاميين الذين ينفرون الناس من كل شيء ، نتيجة جهلهم بالامور وفظاظتهم في التعبير.
انا لا افهم ان يختص خطيب ما بشتم النصارى في كل جمعة ، على مسمع من الناس، وديننا الحنيف يحث على احترام اهل الكتاب ، ومعاملتهم معاملة حسنة ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من آذى ذميا فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله". وهل هناك اكثر من الشتم ايذاء؟.
ونستهجن ان يقوم احد هؤلاء الذين سموا ظلما خطباء، بشتم ابي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو من هو في التاريخ الاسلامي ، ودوره الكبير في حماية الدعوة وصاحبها ، ووضع هذه الشخصية العظيمة بمنزلة ابي لهب،.
والحديث عن الفتاوى من على منابر رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل بعض الجهلة لا ينتهي ، فقد حذر الكثيرون من خطورة هذا السلوك الذي يمارس - وللاسف - على مسمع من الجميع. ولن انسى ذلك الذي افتى في اواخر شهر رمضان الماضي ، في خطبة الجمعة ، ان زكاة الفطر لا تجوز الا قمحا وتمرا ، والارتباك الذي سببه للمصلين ، ولولا ان الصدفة لعبت دورها ، وكان بين المصلين احد العلماء الذين نحترمهم ونجل علمهم ، فضيلة العالم الدكتور عبدالعزيز الخياط وزير الاوقاف الاسبق ، حيث وقف بعد الصلاة بكل ادب العلماء وتواضعهم ، وتحدث للناس ان زكاة الفطر تجوز بغير ما افتى به "خطيب الجمعة".
نحن ندرك تماما ان وزارة الاوقاف تبذل جهدا كبيرا في تحسين نوعية الخطباء وأدائهم ، ولكن من الواضح ان الطريق ما زال طويلا امام الغاية المنشودة لايجاد خطباء على المستوى المطلوب ، ليتمكنوا من مخاطبة الناس بالطريقة التي ارادها الله عز وجل ، ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
لماذا لا نكون اكثر جرأة في موضوع خطبة الجمعة ، ونضع لها ضوابط من ناحية الموضوع والوقت ، حتى لا يترك الناس اسرى لمن يسمون انفسهم كما قلنا ظلما "خطباء"؟ ، لماذا لا تقوم وزارة الاوقاف بتحديد وقت الخطبة؟ ولنكن اكثر جرأة بتحديد موضوع الخطبة وهي الخطبة الموحدة ، تختارها كل اسبوع مجموعة من العلماء الافاضل المتمكنين من علمهم لتعم الفائدة ، ولا تترك الامور مفتوحة على مصراعيها ، لكل من اعتبر نفسه في غفلة من الزمن خطيبا ، والعتب هنا كبير على اساتذة الشريعة المنتشرين في الجامعات الاردنية ، الذين تركوا الامر لغير اهله ، وانطووا على علمهم واكتفوا بقاعات الدرس المحدودة ، ولم يخرجوا للمجتمع للمشاركة في البناء والاصلاح.
معروف ان النكوص والارتكاس ، يكون احد نتائج تراجع دور العلماء وانكفائهم على انفسهم وانعزالهم عن مجتمعاتهم.
مطلوب من الجميع - وعلى رأسهم علماء الشريعة - ان ينهضوا لاعادة الامور الى نصابها في مؤسسة المنبر ، اذ ليس من المعقول ان المؤسسات الرسمية والاكاديمية عاجزة عن حل مشكلة خطبة الجمعة على امتداد عقود طويلة ، ويترك امرها كما قلنا لانصاف العلماء ، الذين يعيثون بالناس يوم الجمعة ، جهلا وتنفيرا.
** الزميل الكاتب رئيس تحرير يومية الدستور ..