باستثناء بعض المؤشرات النقدية التي نمت في الشهور الاخيرة بنسب كبيرة وايجابية خاصة فيما يتعلق بالاحتياطات والودائع فان باقي الارقام المتعلقة بالاقتصاد الوطني كانت سلبية للغاية, مما يتطلب وقفة مراجعة وانتباها من المسؤولين حول التحديات التي تعترض عملية التنمية الاقتصادية.

الحديث عن ان الاقتصاد لم يتأثر بالازمة المالية العالمية بات كلاما لا يجدي نفعا مع دخول الاقتصاد في حالة تباطؤ حقيقي تدعمها ارقام سلبية حول اداء عدد من القطاعات الاقتصادية.

فثروات المتعاملين في بورصة عمان خسرت ما يقارب 2.3 مليار دينار منذ بداية العام مع فقدان المؤشر ما نسبته 5.8 بالمئة ووصوله الى 2599 نقطة وهو الوضع الذي كان عليه في عام ,2003 والتراجع بهذه النسب يعني ان ضمانات القروض للشركات ورجال الاعمال تراجعت بشكل كبير مما يتطلب تعزيزها فورا, وفي الحالة الراهنة يصعب تعزيزها لكثير من الاسباب منها فقدان السيولة من جهة وتراجع عملية تحويل الاصول الى نقد من جهة اخرى. مما دفع ببعض البنوك للتخلص من محافظ الاسهم المرهونة لديها لتحصيل اموالها, مما يفسر بشكل واضح عمليات الهبوط السريعة التي شهدتها البورصة مؤخرا.

اما بالنسبة للايرادات المحلية فان حالة عدم اليقين التي سيطرت مؤخرا على سلوك العاملين والمستثمرين والمستهلكين في الاقتصاد الوطني انعكس سلبا على تحصيلاتها فتراجعت ايرادات الخزينة من ضريبة المبيعات ورسوم الاراضي والجمارك خلال النصف الاول من العام الجاري بنسب 30 و34 و8 بالمئة على التوالي مما ولد عجزا كبيرا في الموازنة العامة تجاوز 450 مليون دينار, ناهيك عن ان التراجع كان مذهلا بالارقام والنسب المطلقة بين الايرادات المقدرة والمحصلة والتي تجاوزت الفجوة بينهما ما نسبته 17 بالمئة او ما مقداره 377 مليون دينار.

واذا ما نظرنا الى المؤشرات الاستثمارية فان آخر التقارير توضح ان الاستثمارات المستفيدة من قانون تشجيع الاستثمار تراجعت في النصف الاول من العام الحالي ما نسبته 15 بالمئة مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي, في حين كان الهبوط مدويا فيما يتعلق ببيانات تسجيل الشركات في المملكة والتي تراجعت رؤوس اموالها بنسب 40 بالمئة في الثلث الاول , والتي كانت في العادة ارقامها ايجابية للغاية على مدار السنوات الماضية.

المؤشر الاكثر خطورة بسبب ارتباطه بالازمة المالية العالمية هو الصادرات الوطنية التي بدأت بالتراجع على مدى شهرين متتاليين , حيث اظهرت الاحصاءات انها انخفضت بنسبة 6.6 بالمئة حتى نهاية ايار, واذا ما دققنا في المؤشرات السابقة المتعلقة بالاستثمار والصادرات فان دلائل التراجع سلبية للغاية على الميزان التجاري في حال استمرار المؤشر بالهبوط.

وصول معدل تكاليف المعيشة الى 0.5 بالمئة رغم قيام الحكومة بزيادة اسعار المحروقات اربع مرات متتالية وبنسب وصلت الى 13 بالمئة في بعض الاحيان مما يؤكد ان الاقتصاد الاردني دخل في حالة تباطؤ قد تؤدي الى ركود معمق بعد التراجع الملحوظ في اداء عدد من القطاعات الاقتصادية والتي ساهمت فعليا في تراجع معدلات النمو الاقتصادي عن النسب المستهدفة في موازنة 2009 والتي كان مقدرا ان تصل الى 6 بالمئة تأتي نتائج الربع الاول لتفند تلك التقديرات بعد ان بلغ النمو الاقتصادي ما نسبته 3.2 بالمئة.

ولا ننسى ان معظم المشاريع الكبرى تلقت ضربة بعد ان تأجل تنفيذ معظمها بسبب احجام المستثمرين عن الدخول في عطاءاتها او دخولهم بشروط بخسة, الامر الذي دفع الحكومة لالغاء بعضها او تأجيلها او اعادة طرحها مثل الجيل الثالث وميناء العقبة والبريد والسكة ...

صحيح ان العجز التجاري انخفض ومستوى الاسعار تراجع خاصة فيما يتعلق بالنفط الا ان لذلك ايجابيات تحدث لمرة واحدة فقط على صعيد الاقتصاد الوطني, في حين ان المؤشرات الاقتصادية السابقة تتواصل تداعياتها السلبية يوما بعد يوم, وفي حال بقائها على هذا النحو من دون مراجعة, فان الاقتصاد سيواجه تحديا حقيقيا فيما يخص عملية التنمية المستدامة, عندها لن تجدي الفزعة في معالجة الوضع نفعا, لذلك فالامر يتطلب مراجعة شاملة مدعومة باستراتيجية اقتصادية شاملة.


salamah.darawi@gmail.com