حرية التعبير أساس الديمقراطية
د. ماهر عربيات
11-12-2018 10:24 AM
يرتبط ازدهار المجتمعات البشرية ورقيها إرتباطا وثيقا بمدى حرية التعبير المكفولة للإنسان، فإذا كانت الدساتير والقوانين قد كفلت للمواطن حقه في التعبير عن رأيه، فما هي مبررات هذا التنازع الذي يعصف بهذا البلد أو ذاك؟
ولماذا نرى هذه التضحيات التي يقدمها البعض من أجل التعبير عن الرأي، ولماذا اتخذنا من حرية التعبير وسيلة ننشر بها ثقافة التشكيك والتخوين، أليس حريا بالحكومات ان تساند وتعاضد الحريات العامة في تعزيزها لمفهوم الدولة المدنية إذا كانت حرية التعبير تمارس بشكل منضبط؟
لا يمكن لحرية التعبير إلا أن تكون أعظم الحريات جوهرا واهمية على المستوى المحلي والدولي، فهي اساس الديمقراطية، بل هي احدى الحريات الأساسية التي لولاها لما كانت الديمقراطية، ولا ينحصر مفهوم حرية التعبير على حرية التظاهر والتجمهر، بل يتعدى ذلك الى حرية الفكر والرأي والإنتماء السياسي.
وتكفل حرية التعبير الحق بالحديث والكتابة دون التدخل من طرف الدولة، بما في ذلك الحق في الإحتجاج على النشاط المخل بالعدالة والمخالف للقانون، فإذا كانت الحرية بمفهومها الواسع تعتبر من أساسيات الحياة عند الانسان بصفته فردا متحركا في قلب المجتمع ، فإن حرية التعبير هي أصل وروح الديمقراطية بتجلياتها العامة والخاصة.
فيما يتعلق بالحقوق بصفة عامة هناك حقوق مطلقة وحقوق مقيدة، والمقصود بالحقوق المطلقة هي الحقوق الخاصة بالفرد وحده، التي لا تعني الآخرين ولا تؤثر عليهم بأي شكل من الأشكال، إنما إذا انتقلنا من الحق الشخصي المطلق إلى ممارسات تؤدي إلى إثارة البلبلة في الشارع أو تعتدي على حقوق الآخرين فإنه ينبغي علينا أن نتوقف مراعاة لظروف الناس وأحوالهم، لأن حقنا هنا ينتهي عند بداية حقوق الآخرين.
المشكلة ليست بالحق، بل دائما تكمن في الشطط في استخدامه، سواء تعلق الأمر باستخدام هذا الحق أو في تقييدة بمعنى التعسف باستعمال السلطة، فعندما يكون من حقنا اتخاذ إجراء معين في حياتنا فليست هناك مشكلة، لكن القضية تتعاظم عندما نبدأ في تحويل السلوك إلى ممارسة ومبدأ نفرضه على الآخرين، وفي تلك اللحظة يتحول الحق إلى فوضى، مما يقتضي تدخل السلطة، التي يتوجب عليها أن لا تلجأ للشطط في استعمال السلطة التي تؤدي إلى التسلط، لأننا لا نريد الفوضى، ولا نحبذ اللجوء إلى القوة، لأننا حين نمارس حقنا بلا ضوابط حتما سندخل في الفوضى... علينا أن ندرك أن المبالغة في استخدام الحق والشطط في استعمال السلطة أمران يؤديان إلى الفوضى.
ينبغي أن تقوم الأمور على الإعتدال والتوازن في استخدام الحق، ويجب أن تقوم على التربية، وعلى المواطنة، وعلى الديمقراطية وتثقيف الشباب بقيم التظاهر، والتفكير الجاد في اعتماد مثل هذه المفاهيم في المناهج الدراسية.
والمطلوب من الاحزاب السياسية أن تمارس دورها الحقيقي وأن يكون لها وجود فعلي، بوصفها وسيلة التنوير السياسي والمعنية بالنهوض في مستوى الوعي السياسي سواء من خلال قنوات التنشئة السياسية، او عبر الخطاب الاعلامي الحزبي والممارسة السياسية السليمة للديمقراطية, وتأهيل الفرد وتثقيفه سياسيا وتمكينه من القدرة على ممارسة دوره في المجتمع, وتخليص المجتمع من الثقافة السياسية المشوهة, وتطوير وبلورة السياسات التي تجعل من حرية التعبير للفرد وثقافته السياسية قيمة عليا في المجتمع.
الرأي