يسعى مواطنون كثر وأنا منهم لاستغلال العرض الحكومي بإعفاء المكلفين بدفع ضريبة المسقفات قبل نهاية العام مقابل إعفاء من الغرامات المترتبة جراء التأخر في الدفع. لكن تعقيدات الإجراءات البيروقراطية وعدم التوافق بين العمل اليدوي والإلكتروني تجعلان ساعات المراجعة كئيبة ومنفرة.
في إحدى المديريات المالية التي تقدم خدمة التحصيل الإلكتروني، يعمل نحو أربعين موظفا، عشرة منهم فقط كانوا منهمكين في العمل فعلا مع أننا نقترب من نهاية العام.
ليس هذا شأننا حتى وإن كان أحدهم يغط بنوم عميق طيلة الفترة التي قضيتها هناك. الأهم أن عليك قبل الدفع أن تستفسر من أحد الموظفين عن قيمة المبالغ المطلوبة منك، وقبل ذلك أن تحضر معك رقم الحوض والقطعة وغيرها من المتعلقات التي يندر أن يحملها شخص في جيبه. الموظف يفترض بجميع المراجعين وجلهم كبار في السن بأنهم يجيدون العمل على الإنترنت.
نظام الاستفسار الإلكتروني بطيء جدا، وعليك أن تنتظر لحين الحصول على رقم إلكتروني، ثم تتوجه لشباك الدفع الإلكتروني "فواتيركم". في الواقع النظام إلكتروني بالاسم فقط، فهو لا يقبل الدفع بالفيزا ولا بالشيكات البنكية، فقط نقدا في وقت لم يعد يحمل فيه معظم الناس أوراقا نقدية في جيوبهم. وإذا صدف أن أخطأ الموظف بإدخال رقمك الإلكتروني، تكون قد سددت الضرائب عن مواطن آخر. وقد أكد لي أحد الموظفين تسجيل مثل هذه الأخطاء بشكل متكرر. وكل هذه "المرمطة" مدفوعة الثمن طبعا، إذ يدفع كل مراجع مبلغ ربع دينار زيادة على قيمة المبلغ لحساب فواتيركم.
في نهاية العمل تحصل على "فيشة" لا يظهر فيها اسمك أو قيمة المبلغ المدفوع، وكان هذا الأمر يثير غضب الكثيرين ممن حضروا لتسديد رسوم وضرائب عن ذويهم أو أقاربهم، عادة ما يطلبون سندا ورقيا يثبت تسديد التزاماتهم لغايات رسمية كثيرة.
مواطن وصل شباك الدفع وهو يلهث على أمل تسديد الدفعة الأولى من المبلغ المطلوب، وتقسيط الباقي على دفعات بشيكات بنكية. اعتذر منه الموظف لعدم تقديم هذه الخدمة، طالبا منه مراجعة مكاتب أمانة عمان باعتبارها الجهة الوحيدة المختصة في التقسيط وقبول الشيكات في حال زاد المبلغ عن خمسة آلاف دينار.
استغربت حقا هذا الأمر فمن المفترض أن تسهل الخزينة الإجراءات على أصحاب المبالغ الكبيرة لحاجتها الماسة للإيرادات، لا أن تنغص عيشتهم بالتنقل من منطقة لأخرى.
دفع الضرائب واجب على كل مواطن مقتدر ومكلف حسب القانون، ولا نمن فيها على خزينة الدولة، لكن ما المانع أن تكون العملية ميسرة على المواطنين، بحيث يشعر المكلف بالتقدير على التزامه بالواجب؟
كبار السن ينبغي أخذ ظروفهم بعين الاعتبار، فمن الصعب جرجرتهم فقط لأنهم لا يجيدون استخدام الإنترنت، ولا يعلمون كيف يعمل تطبيق "فواتيركم". والمشكلة الأدهى أن استخدام التطبيق وإجراء عملية الدفع بمساعدته تتطلب وقتا أطول من الدفع اليدوي، بسبب الخدمة البطيئة للأنظمة الإلكترونية المتوفرة في الدوائر الرسمية. وفي بعض دوائر الخدمة يرتب استخدام الدفع الإلكتروني نفقات إضافية على المراجعين مثل بدل إدخال الصور عبر "السكانر" من طرف موظف متفرغ لهذه الغاية، وآخر لقطع "فيشة" الدور.
الدوائر الحكومية شيء عجيب،فوسط هذا التعلق بالأتمتة، مايزال الموظف يعمل بعقلية الدولة العثمانية.
الغد