الخـتـيــــــــــار .. وظلم ذوي القربى!!
د.احمد القطامين
18-07-2009 04:51 PM
اسماه من رافقوه في نضاله الطويل خلال الاربعين سنة الماضية "الختيار" ، والختيار في التراث الشعبي الفلسطيني والعربي مصطلح يعبر عن الشخص ضمن المجموعة الذي يتصف بالحكمة وبالعلاقات الشعبية العادية السلسة مع افراد تلك المجموعة.
لقد عرف ياسر عرفات في الاوساط الشعبية الفلسطينية والعربية ومن ثم في الاوساط الدولية بأنه الشخص الاكثر قدرة على البقاء في خضم محيط عاصف من المتغيرات العاتية التي ما انفكت تعصف في المنطقة العربية منذ منتصف القرن الماضي حتى يومنا هذا.
كان ابو عمار- كما شاءت له الاقدار- دائما في عين العاصفة يخرج من مصيبة مروعة ليدخل في اخرى اكثر ترويعا وهو يقود جهود شعبه من ازمة الى اخرى في مواجهة اكثر الحركات العالمية قوة وتنظيما وامكانيات ، اتصف ابو عمار بكونه يمتلك شخصية مركبة بالغة التعقيد فاحيانا تراه ثائرا من طراز رفيع وتارة اخرى تراه سياسيا بارعا يحبك المواقف ويقدم التنازلات ويسعى الى الحلول الوسط ، واحيانا تراه ثعلبا سياسيا يناور بحذاقة وسط العواصف السياسية والعسكرية التي واجهتها الحركة الوطنية الفلسطينية خلال الحقب الماضية.
اسس حركة فتح عام 1964 وقاد حركة فلسطينية متعددة المشارب السياسية في ائتلاف شديد التناقض وشن عمليات فدائية ضد اسرائيل مباشرة بعد هزيمة الجيوش العربية امامها في حرب عام 1967. ونتيجة لسلسلة من الاخطاء التي وقع فيها وجد نفسه وجها لوجه مع العديد من الدولة العربية مما ادى الى اخراجه ومقاتليه من الاردن عام 1971 لتكون لبنان وجهته الجديدة لتبدأ حلقة جديدة من الصراع بين الاشقاء. وفي عام 1982 اندفع شارون على رأس جيوشه المدججة باحدث الاسلحة الفتاكة عبر الحدود مع لبنان، وما هي الى ايام قليلة حتى اطبق على بيروت وحاصرها حصارا دمويا قاسيا مطالبا باخراج عرفات ومقاتليه منها، وامام الضغط العسكري الهائل لآلة شارون العسكرية اضطر عرفات الى قبول ترتيبات دولية لاخراجه ومقاتليه من لبنان، وكانت الوجهه هذه المرة تونس، البلد العربي الابعد عن فلسطين ساحة الصراع بين عرفات والحركة الصهيونية.
وبينما كان عرفات يهم بالصعود الى السفينة التي ستقله الى تونس، سأله الصحفيون الى اين انت ذاهب ؟ فرد عليهم وابتسامة عريضة ترتسم على وجهة: الى فلسطين.. فضحك الصحافيون والحاضرون حيث حقائق الموقف تشير الى ان عرفات قد واجه هزيمة كبرى وانه ذاهب ليس الى فلسطين بل الى النسيان والانتهاء.
وبعد عشرة سنوات من هذه الحادثة كان عرفات يقبل تراب وطنه فلسطين في غزة وعشرات الالالف من ابناء شعبه يحيطون به وهو يصلي لاول مرة في تاريخه الطويل على ذرات رمل فلسطينية في تلك البقعة الجغرافية الاكثر ازدحاما وكثافة سكانية في العالم.
ثم شرع ورئيس الوزراء الاسرائيلي رابين في محاولة فاشلة للمصالحة بين الشعبين، ادت الى سقوط رابين اغتيالا على يد شاب اسرائيلي متطرف، ومحاصرة ابو عمار - فيما بعد - في مقر قيادته في رام الله سجينا ممنوعا من مغادرة ذلك المقر وتحت تهديد القتل على مدار الساعة من قبل المتطرفين الاسرائليين بقيادة شارون الذين استطاعوا استعادة السلطة ديمقراطيا ضمن آلية الانتخابات الاسرائيلية. ومع ذلك استمر في المقاومة والصمود والتزم مقره المكون من غرفة نوم وصالة اجتماعات وعدد من الغرف الصغيرة لافراد الحماية والمساعدين، وقال مرة ردا على تهديدات شارون له بالنفي او القتل: يريدونني طريدا او قتيلا، ولكنني اقول لهم انني سأكون شهيدا.. شهيدا .. شهيدا.
وكان له ذلك، حيث انتقل الى جوار ربه بعد ان اصيب بمرض عضال نتج عن حقن فيروس غامض في جسمه كما اشار الى ذلك طبيبه الخاص الكردي في مقابلة مع فضائية الجزيرة قبل عامين.
اذن مات الختيار بواسطة فيروس غامض لكنه فتاك، وهذه الطريقة في قتله لا تتم عادة عن بعد اذ لا بد من شخص قريب منه ليساعد في عملية حقن الفيروس في مجرى الدم.
ويظل السؤال الكبير يلح: من هو ذلك الشخص ؟؟ وسواء صدقت رواية القدومي او لم تصدق سيظل السؤال الكبير يلح بحثا عن اجابة: من حقن الختيار بحقنة الموت الاخيرة؟؟ ..
يوما ما ستظهر الحقيقة عارية في مجرى التاريخ..
qatamin8@hotmail.com