سلسلة أنواع الشعر ...((ألشعر الجاهلي ))
قد يّملكني شعور العزه والفخر وأنا أتحدث عن قائمة الشعراء في كل ما هُم فيه من حيث تعّدد حضورهم شعراء الجاهلية والعامية والفصحى والشعر الإسلامي والعباسي والأندلسي والنبطي إضافة إلى شعراء الطفولة والمرآة الشاعرة ثم شعر الأغنية , وهذا التعدد يميز حضورنا العربي والإسلامي عبر مراحل التاريخ لهذه الأمة التي واكبت الحضارة منذ سالف العصر فكان لها في كل أبواب الحياة وجود وتقدم كما كان للشعر في حياة شعوبها من حضور, وحضور مميز بكل ما فيه من مفردات صعب فهما لمن يريد أن يقرأ مثلاً شعر الفصحى والجاهلية والذي ينصب بكل ما فيهما من نّصح ومشورة ووفاء ..
ولعله من المنصف أساساً فيما نقول أن يكون لوجودهم عبر كثير من كتاباتنا دوام التذكير بهم بين الحين والآخر وقد ارتأينا هنا وعبرا لمساحه المتاحة لنا من إعادة بناء مد جسور التواصل مع ما كان من شّعرهم وحياتهم علنا نفيهم حقهم من ذلك ونكون ممن يوطد العلاقة بين الماضي والحاضر بعيون (ثقافيه أصيلة الهدف ).. ونكون بذلك قد أوصلنا فكره لقارئ ومثقف يجد بالشعر وصنوفه طريقاً لطرح قضايانا دونما خوف أو وجّل ...
وستكون البداية مع أحد الشعراء الجاهليين الذي قد بلغ من العمر كثيراً وبدأ يقول الشعر على كل ما فيه من جمال وحضور مميز .. إنه (النابغة الذبياني )
تقديم الشاعر :-
هو زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن مرّة بن عوف بن سعد، الذبياني، الغطفاني، ألمضري. شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، من أهل الحجاز، ينتهي نسبه كما قال التبريزي إلى قيس بن عيلان، ويكنى بأبي أمامه، وقيل بأبي ثمامة، كما هو وارد في \'الشعر والشعراء\'، وبأبي عقرب على ما يذهب إليه البغدادي في خزانة الأدب. والنابغة لقب غلب على الشاعر، اختلف النقاد في تعليله وتفسيره، أما ابن قتيبة فيذكر أنه لقب بالنّابغة لقوله:
وحلّت في بني القين بن جسر
فقد نبغت لهم منا شؤون
وردّ ابن قتيبة هذا اللقب إلى قولهم: \'ونبغ- بالشعر- قاله بعد ما احتنك وهلك قبل أن يهتر\'. وفي رأي البغدادي، أن هذا اللقب لحقه لأنه لم ينظم الشعر حتى أصبح رجلاً. وربّما كان اللقب مجازاً، على حدّ قول العرب: نبغت الحمامة، إذا أرسلت صوتها في الغناء، ونبغ الماء إذا غزر. فقيل: نبغ الشاعر، والشاعر نابغة، إذا غزرت مادة شعره وكثرت. ولا يعرف شيئاً يذكر عن نشأة الشاعر قبل اتصاله بالبلاط، فيما خلا ما نقله صاحب الروائع عن المستشرق دي برسفال، من مزاحمة النّابغة لحاتم الطائيّ على مأوية، وإخفاقه في ذلك.
ولما كان للشعر، منزلته في نفوس القوم، ومكانته في مواطن المنافرة والخصومة إذ من شأنه أن يكسب القبيلة من القوة ومنعة الجانب، ما لا تظفر به في قتال، رأينا النّابغة الذبياني، يهتم في ظروف هذه الحرب، بأمور قومه فراح يخوض غمارها بشعره، لا بسيفه فكشف لنا بذلك عن جانب حيّ من شاعريته، وناحية رئيسة من شخصيته.
وتتفق روايات المؤرخين على أن النّابغة نال حظوة كبيرة عند النعمان الذي قرّبه إليه بعد أن أحسن وفادته. ولا شك أن الشاعر نزل من نفس الملك منزلة طيبة فآثره هذا بأجزل عطاياه وأوفر نعمه، مما لم ينله شاعر قبله، ويذكر أبو الفرج في أغانيه أن النّابغة كان يأكل ويشرب في آنية من الفضة والذهب. وعن ابن قتيبة عن ابن الكلبي الرواية الآتية التي تثبت مكانة الشاعر عند النعمان. قال حسان بن ثابت: رحلت النعمان فلقيت رجلاً فقال: أين تريد فقلت هذا الملك قال: فإنك إذا جئته متروك شهراً، ثم يسأل عنك رأس الشهر ثم أنت متروك شهراً آخر ثم عسى أن يأذن لك فإن أنت خلوت به وأعجبته فأنت مصيب منه، وإن رأيت أبا أمامة النّابغة فاظعن، فإنه لا شيء لك. قال: فقدمت عليه، ففعل بي ما قال، ثم خلوت به وأصبت منه مالاً كثيراً ونادمته فبينما أنا معه في قبة إذ جاء رجل يرجز. فقال النعمان: أبو أمامه فأذنوا له، فدخل فحيا وشرب معه، ووردت النعم السود، فلما أنشد النابغة قوله:
فإنك شمسٌ والملوكُ كواكب
إذا طلعت لم يبدُ منهنَّ كوكبُ
وسوف نجتهد بما توفر من شعره عبر كثير مما نحفظه وندونه هنا إيماناً من أهمية تواصل القارئ بما هو متوفر هنا حول دوواينه , التي تقول
يا دار ميَّة بالعلياء فالسندِ ، ومنها
حيث يقول الذبياني .. من ذلك
نـبـئـت أن أبــا قـابـوس iiأوعـدنـي ولا قـــرارَ عـلـى زأرٍ مــن iiالأســدِ
مــهـلاً فــداءً لــك الأقــوامُ كـلـهُمُ ومــا أُثـمِّـرُ مــن مــالٍ ومــن iiولـدِ
فــلا لـعمر الـذي مـسَّحتُ كـعبته وما أُريقَ على الأنصابِ من جسدِ
مـا إن بـدأتُ بـشيءٍ أنـت تـكرههُ إذن فـلا رفـعت سوطي إلى يدي
لعل القارئ يدرك كم هناك من جزالة المعنى وشمول النظره فيما يقول شاعر بهذا الحجم والتي تصيب في مجملها كلام يخرج من اعماق الفؤاد ليوصلنا فكره نحتاج كثير من التعب لمعرفه كيف نوصلها ونبدع في صياغتها للمستمع والمتلقي بّفهم واضح السيرة الشمول والطرح
ادعكم مع معلقه قالها الذبياني وساق فيها من جزالة المعنى ما يجعلنا نتوه فيما نقرأ ونستمع ونحن بالفعل شاكرين لهذا المد المتجدد من شعر الجاهليه ..
يا دارَ ميَّةَ بالعَلياءِ فالسَّندِ
أقوَت وطالَ عليها سالِفُ الأبَدِ
وقفتُ بها أصَيلاً كي أُسائلَها
عيَّت جَواباً وما بالرَّبع من أحدِ
إلاّ الأَوارِيَّ لَأياً ما أبيّنُها
والنُؤيَ كالحوضِ بالمظلومةِ الجلَدِ
رَدّت عليهِ أقاسيهِ ولَبَّدَهُ
ضَربُ الوَليدَةِ بالمِسحاةِ في الثَّأَدِ
خَلَّتْ سَبيلَ أَتِيٍّ كانَ يَحْبِسُهُ
ورفَّعَتهُ إلى السَّجفَين، فالنَّضَد
أَمْستْ خَلاءً، وأَمسَى أَهلُها احتَمَلُوا
أَخْنى عَليها الّذي أَخْنى على لُبَدِ
فَعَدِّ عَمَّا ترى، إذ لا ارتجاعَ لهُ
وانْمِ القُتُودَ على عيْرانَةٍ أُجُدِ
مَقذوفَةٍ بِدَخيسِ النَّحضِ، بازِلُها
له صريفٌ، صَريفُ القَعْوِ بالمَسَدِ
ولعلّ السمة اللافتة في شعره ذاك التأثر بالظروف المكانية والزمانية الذي حمله على أن يضفي على فنونه طابعاً من الواقعية مستمداً من البيئة البدوية أو الحضرية، فهو جزل شديد الأسر في أوصافه الصحراوية، رقيق عذب واضح العبارة بعيد عن الخشونة ممعن في السهولة، في وصف حالات الوجدان، وفي أداء الخواطر أو إرسال الحكم، إلا إذا اقتضت البلاغة الإبقاء على لفظة غير فصيحة لكنها دالة، كلفظة الأشعث في قوله: ولستَ بِمُسْتبْق أخا- لا تلمّه على أشعث.
نأمل أن نكون من كل ذلك قد أوجدنا جسراً للتواصل في رحله البحث عن كل صنوف الشعر والشعراء عبر مساحه متاحة لنا , مؤمنين من كل ذلك إن ألكلمه الصاد قه المعبرة تدوم حتى قيام الساعة بأيدي أجيال من أبناء الأمة على امتداد حدود الوطن العربي .. الرائع العظيم ..
وفقنا الله جميع إلى ذلك ..
المرجع (ديوان العرب ) للأمانة العلمية فيما يخص السيرة الذاتية ومقتطفات من الشعر .