الشباب الأردني من التحدي إلى الأفق
د. محمد أبو رمان
10-12-2018 09:29 AM
علينا الاعتراف -بدايةً- بأنّ هنالك مناخاً سلبياً ومتوتراً، وحالة من الإحباط وخيبة الأمل تهيمن على المزاج الاجتماعي العام؛ وقد يكون مردّ ذلك بصورة كبيرة إلى الأزمتين المالية والاقتصادية؛ والأسعار المرتفعة، وصعوبات التكيف من قبل شريحة اجتماعية واسعة مع الأوضاع الاقتصادية والمالية، كما تظهر استطلاعات الرأي.
لكن مصادر المناخ المحبط الراهن لا تقف عند حدود الجانب المالي والاقتصادي بل تمتد إلى ما هو أعمق من ذلك إلى حالة «الشك» و»عدم اليقين» أو في أحسن الأحوال «الضبابية»، التي تغلّف أفكار الناس وتصوراتهم تجاه الواقع الراهن والمستقبل، ما أصبح يشكل هاجساً عاماً على صعيد النخب والمواطنين ويؤدي إلى تساؤلات لم يتردد سيد البلاد، جلالة الملك، قبل أشهر، في لقائه مع نخب سياسية، من طرحها -وهو يتحدث عن هذا المناخ- بقوله: لوين رايحين؟!
أكثر ما يقلق المجتمع ويقلقنا معه هو معدل البطالة الذي يلاحق مستقبل مئات الآلاف من الشباب ويهدد الأجيال القادمة إن لم نجد حلولاً فعّالة وحقيقية للمستقبل. فثمّة مخاوف حقيقية وهواجس تلاحقنا جميعاً، حكومة ومجتمعاً، على جيل الشباب فنتائج البطالة لا تقف عند حدود الجانب الاقتصادي، بل أثارها الاجتماعية والثقافية أكثر خطورة كانتشار وترويج المخدرات وتمدد الفكر المتشدد والمتطرف دينياً، والفراغ الفكري بدرجة كبيرة جراء تراجع قوة رسالة الدولة الثقافية والفكرية.
مع ذلك دعوني أقول لكم، ومن تجربة قصيرة مكثفة منذ استلمت حقيبة الشباب قبل قرابة شهرين، بأنّ تلك الصورة الانطباعية السلبية عن الشباب مختزلة وظالمة، وليست صحيحة ولا دقيقة، بل ما هو أقوى منها وأكثر إنصافاً هي صورة الشباب الأردني المتحمس للتغيير والإصلاح، عبر المبادرات المتنوعة والعمل على أرض الواقع، ومن ضمن ذلك ما نراه اليوم من سلوك حضاري سياسي مدني في الاحتجاج السلمي، سواء في احتجاجات الدوار الرابع في شهر رمضان المنصرم أو الاحتجاجات الراهنة، بالرغم من بعض الظواهر الأخيرة في الهتافات أو السلوكيات، التي لا تعكس بالضرورة موقف الاتجاه العام من المحتجين.
ما نراه من فعاليات شبابنا خلال الفترة الماضية يجعلنا نشعر بدرجة كبيرة من التفاؤل في المستقبل والمرحلة القادمة، فنحن لسنا بحاجة - في وزارة الشباب- لإقناع جيل الشباب بالعمل والتحرك، إنما ما علينا فعله حقاً هو اللحاق بآلاف الشباب الأردني الذين يتحركون سريعاً في مجال المبادرات والنشاط والعمل التطوعي والإبداع والابتكار، وأن نقترب من تحقيق فقط شروط الدعم والإسناد لهم، وتوطين المبادرات في المراكز الشبابية، والتنسيق بين المؤسسات المختلفة كي تكون جهودنا متكاملة ومتناسقة.
ومن السهولة بمكان أن أعدد لكم مئات النماذج الشبابية الاردنية التي نفخر بها؛ وأمامها مستقبل كبير، وما حققته إلى الآن من خلال مبادراتها أمراً يدعونا إلى التفاؤل، فهنالك العشرات من الشباب الأردني الذين حصلوا على جوائز عالمية معتبرة برغم شح الإمكانيات، وهنالك عشرات من ذوي الهمم المرتفعة (نطلق عليهم ذوي الاحتياجات الخاصة) ممن أثبتوا ألا مستحيل أمام عزيمة الشباب الأردني.
لا يوجد ما يدعو للقلق حول مصير شبابنا ومستقبلهم، كما صنعت الدولة الأردنية اسمها واستقراراه وقوتها من رحم التحدي والصعوبات والعواصف، خلال العقود الماضية، فإنّ هذ الجيل من الشباب الأردني ليس أقل قدرة على تحقيق إنجازات مماثلة وعلى تحطيم الصعوبات وتجاوز المنعرجات.
لدينا اليوم طفرة حقيقية مبشرة في الوعي الشبابي في مواجهة التحديات الحقيقية التي يصارعها شبابنا، سواء تحدثنا عن البطالة أو الفجوة بين سوق العمل والتعليم، أو تحول فرص العمل من الوظيفة الحكومية إلى التشغيل والقطاع الخاص، وتحطيم الجدران الثقافية والنفسية التي تحول بين الشباب والعمل، أو الانخراط في الثورة الصناعية الرابعة والاندماج في برامج العمل الريادي، وقد باتت منتشرة في مختلف محافظات المملكة وأغلب الجامعات وفي بعض المدارس.
وبهذا الصدد تقوم وزارة الشباب ومؤسسة ولي العهد وصندوق الملك عبدالله والقطاع الخاص بعمل دؤوب في نشر مفهوم وديناميكيات العمل الريادي، وهنالك أولويات حكومية واضحة تماماً بخصوص مواجهة شبح البطالة وتشغيل الشباب، وقد عبّر رئيس الوزراء عن ذلك بصراحة عندما اعتبر البطالة أحد أبرز التحديات أمام الحكومة، ووعد بتوفير آلاف فرص العمل الإضافية العام القادم.
مع ذلك، فمن المهم الإشارة إلى أن تمكين جيل الشباب لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية والمهنية بعيداً عن السياسة، فلا يمكن بحال من الأحوال الفصل بين حق الشباب في العمل وحقهم في تقرير مستقبلم، وبتوافر الحرية كشرط حقيقي وجوهري لإطلاق طاقات الشباب وإمكانياتهم وإدماجهم في العمل العام والوصول إلى تمكين هذا الجيل، الذي لا يحتاج إلى شهادة مني أو من غيري بأنّه - أي جيل الشباب الأردني- يتمتع بمستوى عال من المهارات والوعي السياسي أيضاً.
في ضوء تجدد احتجاجات الدوار الرابع وعودة نشطاء من الشباب إلى هذا الميدان، يكمن السؤال المهم وهو كيف نصل بين ما نتحدث عنه في داخل الحكومة، وما وجهنا إليه جلالة الملك قبل ذلك من تمكين جيل الشباب من جهة وبين ما يدعو إليه الشباب من مطالب سياسية واقتصادية على الجهة المقابلة؟
بدايةً ليس صحيحاً ولا قريباً من الصحيح تلك الفرضية التي يروجها البعض بأنّ جيل الشباب ليس معنياً بالإصلاح السياسي، وأن المطالب مقتصرة على الجوانب الاقتصادية، فهذا تحديداً مع جيل الشباب، وتؤكده حواراتنا معهم، مغالطٌ للواقع، فهنالك اليوم ربط لدى كثير منهم بين ما يحملونه من مطالب اقتصادية شرعية ومطالب سياسية.
هدفنا في وزارة الشباب اليوم هو تمكين جيل الشباب سياسياً، والمساعدة على بروز قيادات شبابية متميزة تتولى دورها في العمل العام، سواء من خلال مؤسسات الدولة أو المجتمع المدني، وهو ما نعدّ برامج متعددة لاستيعابه اليوم من خلال الحوارات المتكررة التي نجريها، ونعد لحوارات أخرى مع مجموعات شبابية لتقدم لنا هي تصورها لكيفية تحقيق هذا الهدف، كي نصل إلى تصورات توافقية مع الشباب لبرامج المرحلة القادمة، ويكونون شركاء لنا في صناعة القرار وليس فقط في ترجمة السياسات على أرض الواقع.
من ضمن البرنامج السياسي، لدينا مشروع نعمل على إنجازه مع نخب من الشباب الفاعل والناشط، للإعداد لما يسمى برلمان الظل الشبابي وحكومة الظل الشبابية، التي تبدأ من تحويل مراكز شبابية في المحافظات إلى مراكز أكاديمية سياسية، تؤطر دور القيادات الشبابية في المحافظات، ثم تفرز لنا برلماناً على الصعيد الوطني، وحكومة ظل، نخلق مساحات حقيقية له في التعبير عن تطلعات جيل الشباب ومواقفه وأرائه في الحياة العامة.
بالعودة إلى احتجاجات الرابع، فإن مطالب جيل الشباب بمواجهة الفساد وبالعدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية هي مطالب شرعية وطبيعية، ولا أحد يمكنه قول غير ذلك، وطريقة التعبير حضارية ومدنية أشاد بها جلالة الملك بعد احتجاجات رمضان الماضي، وتعهدت الحكومة بحماية حق التعبير طالما التزم الجميع بمظلة القانون وأحكامه، والتزمنا جميعاً في الأسلوب الحضاري الذي أشاد به جلالة الملك وبجهود رجال الأمن الذين قدموا صورة حضارية سامقة.
لا يوجد من ينكر منا صعوبة الأزمة المالية والاقتصادية والحاجة إلى تمكين الشباب سياسياً وتطوير العملية الديمقراطية في البلاد، كلنا متفقون على التشخيص وعلى الأهداف، لكننا نفكر في المسار والمراحل وخارطة الطريق، التي قد نختلف في بعض تفصيلاتها، لكن ليس على جوهرها وأهميتها.
ذلك يعيدنا إلى الأولويات التي أعلنتها الحكومة، فليس صحيحاً أبداً أن موضوع الإصلاح السياسي تم إسقاطه، أو إخراجه من دائرة الاهتمام، فأنا أحد أعضاء لجنة الإصلاح السياسي في الحكومة، وهنالك العديد من المحاور مثل اللامركزية وهي مهمة جداً طالما نتحدث عن المحافظات ومطالبها المشروعة، وهنالك الأحزاب والحوار معها من أجل تطوير عملها لاستيعاب وإدماج جيل الشباب في العمل الحزبي، وهنالك قانون الانتخاب الذي يحتاج هو الآخر إلى تعديلات وتوافقات وطنية، ليتواءم مع هدفنا في إدماج جيل الشباب في الحياة السياسية، ويترجم رؤية جلالة الملك بفصل عمل مجلس النواب للتفرغ للتشريع والرقابة عن عمل مجالس المحافظات في الخدمات.
لذلك ما نطمح إليه في وزارة الشباب هو تحويل الحالة الشبابية الاحتجاجية إلى عمل سياسي برامجي فعال، سواء أراد الشباب أن يجترحوا صور تمثيلهم المطلوبة، أو أن ينضموا لأحزاب موجودة أو أي صيغة أخرى، تضمن تأطير مطالبهم وبلورتها وتطوير قدرتهم على إيجاد موطئ قدم لهم في الحياة العامة والسياسية.
بالرغم مما قلناه سابقاً عن المزاج السلبي وعن التحديات التي تواجه شبابنا، إلاّ أننا في المقابل نرى جيلاً من الشباب يعيد لنا الأمل بقدرتنا على مواجهة الصعوبات والتحديات، والمطلوب منا - في الحكومة ومؤسسات الدولة- أن نعمل معهم على تمكينهم في مختلف المجالات، فهم ليسوا أرقاماً في معدلات البطالة، وليسوا مرشحين لجماعات التطرف أو هدفاً لتجار المخدرات، لا ما نراه اليوم من صورة الشباب الأردني ترتبط بأصحاب مبادرات وذوي طاقات هائلة، هم الأمل والجيل الموعودة والأفق القادم.
الراي