تحت القبة : فاقد الحق لا يعطيه
اسامة احمد الازايدة
10-12-2018 08:41 AM
خبر اليوم ( نية الحكومة سحب قانون الجرائم الإلكترونية ) يتضمن خبرا ساراً هو سحب مشروع القانون ؛ لكنه يتضمن خبرا سيئاً يتمثل بأن السلطة المعنية بالتشريع غائبة لدرجة ان الناطق باسم الحكومة تصرح عن نية الحكومة ( سلطة التنفيذ)بسحب تشريع من (مجلس التشريع ) ! حالة لا بد لنا ان نتوقف عندها طويلاً و مطوّلاً ؛ فالأصل في السلطة التشريعية انها منشئة للتشريع و ليست قناة مرور لتشريعات تقررها السلطة التنفيذية و تسحبها حين تشاء ، و اذا كانت الممارسات الضعيفة لمجالس النواب صنعت عادةً تكسبها مزيداً من الضعف فان هذه العادة لن تتحول الى عرف دستوري لان تقصير الممثل بنيابته يجب ألّا تنسحب على المنيب ، و المنيب هو الأمة التي هي مصدر السلطات بأمر الدستور .
تثبت الدول الديمقراطية قوتها الحقيقة من قوة مجالس نوابها وتُقرأ مدى قوتها من قوة نوابها و صلاحياتهم في التشريع و الرقابة .. و حيث تمنحهم القوانين الحصانة فإن تلك الحصانة ليس لذاتهم بل لكونهم لسان من انتخبهم ما يتوجب الا يتعطل هذا اللسان و إِلَّا تعطلت الإرادة .
و ما يلفت ذهن المتخصص و غير المتخصص أن حق النائب في مجلس نوابنا متعطّل في كثير من الحالات ؛ فلا يملك النائب -و هو المشرع - ان يطرح مشروعا لقانون او تعديلا له إلا أن يكون ذلك بإعداد حكومي
إن الأصل في الفقه الدستوري للدول الديمقراطية هو إناطة العمل التشريعي بمجالس التشريع و اقصد هنا التشريع الكامل ( الذي يبدأ من المجلس التشريعي و ينتهي من المجلس التشريعي ) و الذي عملت به العديد من الديمقراطيات الغريبة و بعض الديمقراطيات العربية كالكويت خير مثال ، و ما يحتاج الى بحث جدي هو ان ارادة المشرع الدستوري حين أعطت الحكومة الحق الحصري بطرح مشاريع القوانين على النواب إنما هو لحاجة الدولة في مرحلة تأسيسها أن يكون للحكومة هذا الحق و عليه فإنني اعتقد جازما غير متطرفٍ ان هذا الحق الوارد في الدستور إنما هو استثناء على الاصل في العملية التشريعية ، فالتشريع ليس تصويتا على نصوص مواد و ليس تعديلا على بعضها بل هو عملية متكاملة مترابطة ليكون كل تشريع منسجما مع نفسه ، و لعل الطريق لهذا الطموح طويل يحتاج الى كوادر فنية تتبع لمجلس التشريع و الى تغيير الكثير من البروتوكولات و يتطلب تغيير تبعية ديوان التشريع من السلطة التنفيذية الى السلطة التشريعية ، ويتطلب تعديلا دستوريا ، و قبل ذلك كله يحتاج الى كمية كبيرة من حليب السباع ليدرك المنابون عن الشعب انهم يمارسون سلطة الشعب .
و لكن اذا نظرنا الى ما هو اقل من ذلك بكثير - على سبيل المثال - و هو آلية حق التصويت في مجلس تشريعنا ان النظام الداخلي لمجلس النواب قبل تعديله عام ٢٠١٤ - و الذي لا اعلم كيف سُمحَ بتعديله هكذا- لم يكن يسمح بالتصويت بالأيدي اذا حصل خلاف و كان يتطلب التصويت بالمناداة بالاسم او على الأقل بالقيام و الجلوس ليحفظ حق النائب في التعبير عن قراره بوضوح ؛ و اصبح بعد تعديل النظام الداخلي الأخير يسمح بالتصويت عن طريق عدّ الأيدي (تعداداً مدرسياً) بناء على ما تحدده الرغبة المطلقة لرئيس المجلس باعتماد طريقة التصويت ؛ فإننا -كشعب- نجد أنفسنا أمام ممثلين لنا فاقدين أدنى حقوقهم تحت القبة فكيف سيكون لهم ان يعطوا الشعب حقه طالما أن فاقد الشيء لا يمكنه ان يعطيه.