facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




الكتابة على الرمال


د. عادل يعقوب الشمايله
09-12-2018 10:31 AM

بكتب اسمك يا حبيبي عالحور العتيق، بتكتب اسمي يا حبيبي عرمل الطريق. هذا مطلع احدى روائع فيروز الغنائية.
دفعتني تلك الكلمات لاقارن بين ما كتبه ويكتبه الوزراء وكبار رجال الادارة في الاردن من خلال ادائهم وانجازاتهم، وبين ما كتبه ويكتبه رجال الدولة في الدول الاوروبية وفي جارتنا اسرائيل. رجال الادارة عندنا يكتبون دائما على رمل الطريق. لان الكتابة على الرمال سهلة. ولما كان الرمل، لا يملك ذاكرة ولا يملك جذورا، فسرعان ما تختفي كل الكتابات. فالرمال تنكفئ على نفسها فتشكل كثبانا توهم الناظر اليها، انها تلال او جبال، ثم لا تلبث أن تتحول الى زوابع، تعمي العيون وتعيق السير وتعطل المسيرة. الشعب الاردني يتمنى لو أن الرمال كالقطط، تأكل أطفالها عندما تجوع.

وحتى لا اتهم بالجحود شأني شأن كل من يتجرأ على تقديم النصح للحكومة، أقدم بعض الامثلة على كتابات الحكومات الاردنية المتعاقبة على الرمال:
1-كلما جاءت حكومة تقوم باعداد خطة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية متخمة بالوعود والتمنيات، وتلغي خطة الحكومة التي سبقتها. ولذلك لم يكتمل تنفيذ أي خطة من خطط التنمية التي تبنتها الحكومات منذ عام 1963 وحتى تاريخه، بما فيها آخر خطة وقع عليها رئيس الحكومة الحالي عندما كان في حكومة الملقي، رغم ما انفق على الخطط من مال، وما أخذه اعدادها من جهد، وما صاحب اخراج كل واحدة منها من دعاية وتبجيل.
2-ان المطلع على أحوال الجامعات الحكومية، لا بد أن يرى أنها قد اصبحت اطلالا بائسة، رغم ما يدفعه الاردنيون من ضرائب للجامعات تتجاوز 400 مليون دينار سنويا، تأخذها الحكومة ولا تعطي الجامعات منها شيئا. بل مما زاد الامر سوءا على سوء أن الحكومة لا تدفع للجامعات رسوم الطلاب الذين يدرسون فيها على حساب المكرمات المختلفة رغم ان المخصصات ترصد لذلك في قانون الموازنة. ولهذا فمعظم الجامعات غارقة في الديون بعد ان كان لديها فوائض فيما مضى. رؤساء الجامعات يتم اختيارهم، من بين الاقل اهلية وكفاءة للمنصب، صم بكم عمي، لا يجرأون على المطالبة لا بحصة جامعاتهم من الضريبة ولا برسوم الطلبة المبعوثين على حساب المكرمات، بل ويفرطون في أملاك الجامعات.
3- المستشفيات الحكومية اصبحت خرابا ايضا. فأبنيتها متهالكة متصدعة، وأجهزتها قديمة ومعطلة معظم الاوقات ولا يتم صيانتها الا نادرا، ولا توجد خطط لاستبدالها بعد أن اصبحت خارج التكنلوجيا الطبية المعاصرة. لم تعد غرف العمليات غرف عمليات، والصيدليات شبه خاليه. طبعا لا يستثنى من حالة التهدم هذه المستشفيات الجامعية التي تقدم خدمة التعليم والتدريب والملاذ الاخير للمرضى. فلا الجامعات التي تملكها قادرة على دعمها، ولا الحكومة تدفع لها مقابل معالجة الموظفين المؤمنين. الحكومة تستحوذ على أموال التأمين الصحي التي يدفعها المؤمنون، وتلقي عبء معالجتهم على المستشفيات الجامعية. اذ تكتفي الحكومة بتحمل عبء معالجة الوزراء والنواب وباقي المتنفذين في أرقى مستشفيات امريكا وانجلترا.
4- تراجع التعليم بكافة مراحله. فبعد أن كان التعليم في الاردن الافضل عربيا، أصبح من بين الاسواء. تم اهمال المعلمين والابنية والمختبرات. المناهج اصبحت سلعة تحال عطائاتها التنفيعية، كما تحال عطاءات ترقيع الشوارع.
5- بيعت معظم المؤسسات والشركات الحكومية التي أقيمت في الستينات وحتى الثمانينات من القرن الماضي، وكان المردود على خزينة الحكومة مقابلها شيكات بدون رصيد. أي لم يدخل خزينة الدولة من اثمانها البخسة أي شيء. وبدلا من أن تنخفض نفقات الحكومة السنوية بعد زوال المؤسسات والشركات المباعة هي وموظفيها، ارتفعت النفقات العامة، وزادت الضرائب، وزاد العجز، وارتفعت المديونية.
6- الطرق والجسور والانفاق والشوارع تسبغ طابعا بدائيا على مدن الاردن، لانها رديئة التصميم والتنفيذ اصلا، ثم تهالكت مع الزمن، وكأنها في دولة انهكتها الحروب. هذه الطرق والجسور والانفاق تم تمويل انشائها بقروض لا زالت تسدد. معظم الشوارع لم تعبد منذ عشر سنوات رغم انها تتعرض للتحفير المتكرر من قبل شركات المياه والكهرباء والاتصالات.
7-استولت كل من اسرائيل وسوريا على كامل حصتنا "وهي الحصة الكبرى" في مياه نهر اليرموك، رغم كل ما يقال عن استعادة الاردن لمياهه. وبالتالي لم يعد لسد الوحدة الذي كلف عشرات الملايين من الدنانير أي فائدة، مثله مثل سد الكفرين الذي اختار موقعه الفاشل جيولوجيا، ابن وزير مياه عبقري، وكلف الخزينة عدة ملايين من الدنانير وكميات هائلة من المياه التي تسربت في السراديب تحت السد.
8-عطلت اسرائيل مشروع قناة البحرين بعد سنوات من الدراسة والتقييم والتي كلفت ملايين الدنانير. ولولا ما تقوم به الدول المانيامن مشاريع مائية ترقيعية منذ اتفاقية وادي عربه، لاعلن الاردن افلاسه المائي. السؤال كيف سيستطيع الاردن تأمين مياه الشرب اذا تقلصت او توقفت المساعدات الاوروبية؟ وكيف ستستطيع الحكومات القادمة تدبر الامر اذا تهاوت السدود التي احيلت عطاءات بنائها المشبوهة على النواب؟ وما هو مصير الزراعة والمزارعين الذين تزاحمهم الحكومة على المياه لسحبها لغايات الشرب وتحاول بشتى الحيل ابعادهم عن الزراعة.
9- حالة المجاري التي اغرقت المدن مرارا وتكرارا بمجرد ان تسقط امطار خفيفة. علما ان الحكومة تتقاضى ضريبة المجاري على فاتورة المياه وتتقاضى ضريبة مجاري ضمن ضريبة المسقفات. اين تذهب كل هذه الضرائب.
9- الفشل الذريع في مجال الحكومة الالكترونية التي صرفت عشرات الملايين من الدنانير عليها، ولا زالت محلك قف. وبعد أن كان الاردن رائدا في المبادرة اصبح المتخلف في التطبيق.
10-مديونية قاربت على الاربعين مليار دولار، تخصص لها الحكومة مليار دينار سنويا، اي خمس الايرادات المحلية لتسديد فوائدها. والنسبة في تزايد. كيف سيكون الحال عندما يستحق تسديد الاقساط، او عندما تستنفد لعبة الاقتراض لتسديد الاقساط التي تلعب منذ سنين؟
سأكتفي بالامثلة التي ذكرت حتى لا أطيل. وكلها تبين، أن ما تم بناءه، تم بيعه، وما لم يستطاع بيعه، يتم اهماله، مما يثبت ان الكتابة أصلا كانت على الرمال، وان بناء دولة مستقرة مزدهرة لم يكن في الحسبان. الا يصدق على ما اقترفته الحكومات المتتالية قول الشاعر:
قفا نبك ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
ترى بعر الارام في عرصاتها
وقيعانها كأنها حب فلفل
وان شفائي عبرة مهراقة
فهل عند رسم دارس من معول

لقد ادى فشل الوزارات المتتالية، ليس فقط ،الى تبديد امال الاردنيين بمستقبل افضل، بل اصبحوا يتأسون على ماض كانوا يحلمون أن يبارحوه سريعا شأنهم شأن كافة الشعوب الحية. أين ذهبت وعود الحكومات ببناء اقتصاد اردني حقيقي مستدام؟ اليس اقتصادنا منذ انشاء الدولة، اقتصاد أزمات؟ أي اننا نعتاش على مأسي جيراننا. اليس ما تفعله الحكومات المتعاقبة مجرد ذر للرمال في العيون؟ اليس ذر الرماد هو تخصص سحرتها الاقتصاديين؟ هذا يذكرني بكتاب صدر في امريكا بعنوان :"” Let them eat promises .
حالة الدولة الاردنية اصبحت تشابه قارب صيد قديم يسير بالمجاذيف، ولكن مجاذيفه مصنوعة من كرتون ويتناوب على التجديف لتسييره اشخاص بدون عضلات وبلا بوصلة، ولذلك نراه يدور حول نفسه ثم يرجع الى الوراء.
هنا على الثرى الاردني من شماله وحتى جنوبه، كتبت حضارات سابقة انجازات حقيقية، ليس على الرمال، كحبيب فيروز، وكحكوماتنا، وليس على الحور العتيق كما تفعل فيروز، بل غرزوها في اعالي الجبال وعلى السهول. عاينها السابقون، وعايناها نحن، وستظل تنتظر الاجيال القادمة لتعاينها متطاولة على الزمن وعلى انفعالات الصحراء وعبثها. لقد صمدت هذه الرموز الحضارية، لان ولادتها مثلت حالات توافق وتكامل بين الفكر والرؤيا والعلم والسياسة والادارة، على خلاف ما فعلته وتفعله حكوماتنا. عندنا يتم توظيف خبث الساسة وقزمية الادارة وعبقرية مؤسسة الفساد.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :