يسعد صباحك والا غصب عن صباحك
الفرد عصفور
17-07-2009 07:04 PM
في برنامج يسعد صباحك ليوم الجمعة السابع عشر من تموز عندما قدمت اكرام الزعبي فقرة الحصيدة في سهل حوران كانت متألقة ومنطلقة على نقيض حالها عندما قدمت الفقرات الاعلانية المدفوعة الاجر.
هذا يدل على الانفصام الذي اصاب البرنامج … الانفصام بين التجاري والابداعي ، فتحولت المذيعة، مع كل الاحترام الشخصي لها، الى مجرد مروج لمنتجات لا يبدو انها مقتنعة بها او حتى موافقة على ادراجها في البرنامج.
ولذا فان المذيعة بما تملكه من مواهب مهنية مشهود لها، وما تتميز به من جدارة تستحقها، مطالبة بالتخلي عن تقديم البرنامج ان بقي هكذا مجرد منبر للدعايات والاعلانات التجارية التي تفرض على المشاهد بطريقة فجة وبدائية ومكشوفة وغير مدروسة ، فلا يكفي ان نضع على الشاشة عبارة "مادة اعلانية"، فهذه العبارة بقدر ما فيها من تبرير ساذج فانها ايضا دليل ادانة على سوء التقدير ونقص التدبير والفقر الاداري والاستغلال المفضوح.
الحديث عن هذا الموضوع يقود حتما الى الحديث عن مضامين وتوقيتات برامج التلفزيون الاردني الذي تراجع منذ ان تم دمج الاذاعة والتلفزيون معا لارضاء اشخاص بعينهم. وتوالى التراجع منذ منتصف التسعينات، عندما وقع التلفزيون ضحية حالة استقطاب بين المدير العام ومدير التلفزيون. اما الان فان التراجع يتسارع وقد يصل قريبا الى حالة لن بتراجع فيها اكثر لانه حينئذ سيصل منتهى القاع.
ما وصل اليه التلفزيون هو تراكم سنوات من الاهمال المتعمد من قبل الحكومة، وتقليص ميزانيته واستغلال موارده عبر التعيينات العشوائية والتنفيعات وتوسع الفساد بصورة علنية ومدعومة.
اعداد الموظفين في الاذاعة والتلفزيون اكبر بكثير من الحاجة الفعلية وهذا هو السبب في الانفلات الوظيفي الذي تعاني منه المؤسسة. فمعظم هؤلاء يعملون ايضا في محطات خاصة ويظهرون على شاشات اخرى علنا وبطريقة تدعو للاستغراب من هذه الجرأة التي لا تجد من يقوم بتصحيحها.
وبالعودة الى المضمون فان اي مقاربة بين برامج التلفزيون الاردني ومثيلاته من القنوات العربية ستضع التلفزيون الاردني في اخر القائمة. وعلى المعنيين ان لا يصدقوا الاستطلاعات التي تقدمها بعض الشركات المتخصصة في استخراج ارقام ترضي من يدفع التكاليف. الاستطلاع الحقيقي هو نبض الشارع الذي بدا يتخلى عن تلفزيون وطنه.
تحويل البرامج من عوامل جاذبة للمشاهدين الى عوامل طاردة لهم ليس نتيجة سياسة محددة بقدر ما هو نتيجة غياب اي سياسة. ومهما كانت هناك نحاولات للتطوير او الاصلاح او الانقاذ فانها ستصطدم بواقع اجتماعي يصر على الفساد من خلال عدم التجاوب مع الاصلاح. فهذا الواقع الاجتماعي محكوم بمزاج يرضى بالفساد والواسطة ونهب المال العام واستغلال السلطة والمنفعة الشخصية. وفي هذا بداية خسران هيبة الدولة واضعاف سلطتها وقد يقود الى تفككها.
مطلوب تحرك سريع وكبير وجاد ومخلص لوضع حد لهذا الانحدار في مستوى مضامين البرامج في التلفزيون الاردني. وبرنامج يسعد صباحك صار نموذجا لهذا الانحدار. فهل نضبت عقول الاردنيين عن انتاج برنامج صباحي يمكنه جمع المشاهدين حوله ام تحول التلفزيون الى مساحة اعلانية تؤجر الى من يدفع؟
الفرد عصفور
كاتب صحافي