جميل البدور .. ماذا نعرف عن النبلاء ..
د. نضال القطامين
07-12-2018 06:47 PM
يرحل جميل البدور عن هذه الدنيا وقد أوسع أيامه فيها كرما وطيبا بعد أن أوسعته مرضا وجحودا...
هو جميل بن عطالله البدور، طبيب الفقراء وجابر عثرات الكرام، ابن الطفيلة وعمان وابن الوطن، هو الضابط والطبيب الذي بدأ حياته متجوّلاً برفقة والده الجابي، وقد علّمه التنقّل بين العربان حيثما ألقوا خيمهم، أن يحب الأرض وأن يقدّس السنابل، وافتتح عند غروب الشمس على التلال أول دروسه في القومية العربية، وهناك - في الطفيلة – نشأ فتى يافعاً ترك لأقرانه العدْوَ وورود الماء في العنصر والجهير، وانتظر في المساءات مع أبيه، بطارية المذياع لكي يسمع منير شما من ال BBC ويونس البحري من إذاعة برلين، أخبار الحرب في أوروبا ليهتف وهو قافلٌ إلى البيت للألمان وقد انتصروا لقضية العرب.
أومأ إلى أبيه ذات مساء، أنّه يسعى لتحقيق حلمه في الدراسة، فترك وراء ظهره حبيبته الطفيلة ويمّم شطر عمّان، ليقرأ في رحلته هذي أول القصائد ويرى أول طريقه نحو الحياة.
من عمّان سافر إلى القاهرة، هناك رأى نفسه فتىً غريبا وسط ضوضاء المدينة وفنادقها ومواصلاتها. لكنّه استطاع أن يعود منها بشهادة في الطب ليخبر والده أنّه حقق الحلم.
يا ما حدّثني والدي ابو نضال عن فتى طفيلي يختزل نبل الناس وكرمهم ومروءتهم في شخصه، ويا ما أبدع في وصف جميل زميل دراسته ورفيق غربته.
عاد جميل إلى الأردن منتصف الخمسينات. لم تكن الدولة تسمح حينذاك بأن يمارس الطبيب عملا خاصا، كان عليه أن يلتحق بالعمل الحكومي وزارة الصحة أو أن يكون طبيبا عسكريا، فاختار الثانية.
خدم في رام الله وفي المستشفى الرئيسي في ماركا، ثم بدا له أنه لم يستطع بعد أن يكمل حلمه، فغادر عبر سوريا إلى ألمانيا وعاد منها بعد سنينٍ تخصص فيها وتقدم في دراسة الطب.
كان واحدا من الأطباء الذين خدموا في وزارة الصحة مع دولة عبد السلام المجالي، وقد سمعته مرة يتحدث كيف أن الدكتور المجالي هو من من قام بتجميع مستشفيات وزارة الصحة المتناثرة في موقع مستشفى البشير، وكيف أنه وثلّة من الأطباء قد نهضوا بتأسيس مستشفى الملكة علياء، أحد أهم مستشفيات القوات المسلحة الآن.
يرحل جميل البدور، ويترك وراءه إرثا عظيما من العمل الإنساني الكبير، وسيذكر الناس عيادته في شارع سينما الحسين، سيذكرون أبوابها المفتوحة للفقراء والمعوزين.
يرحل الدكتور جميل عطالله البدور، طيباً كريما، يرحل ويترك لنا سيرته الطيبة الكريمة، يرحل ووصايا والده في تلال الطفيلة تطنّ في أذنيه، إقرا يا ولد إتعلّم يا ولد.