في الأردن اليوم هناك حديث خافت وأسئلة خجولة حول إذا ما كان هناك حاجة إلى هذا العدد الكبير من الجامعات والأعداد المتزايدة من الخريجين. ففي بلد صغير نسبيا يوجد أكثر من ثلاثين جامعة وأربع وأربعين كلية مجتمع. على مقاعد هذه المؤسسات يجلس أكثر من ثلاثمائة وسبعين ألف طالب يتوزعون على ألف ومائة وثمانية وستين تخصصا ويدير العملية التعليمية قرابة أحد عشر ألف مدرس.
ثلث الجامعات الأردنية أسستها وتديرها الحكومة، والبقية خاصة تأسس معظمها في أعقاب عودة المغتربين الأردنيين من دول الخليج العربي. الكثير من الجامعات الحكومية تعاني من مشكلات مالية مزمنة وقليل منها تحقق التنافسية على المستويات العالمية والاقليمية. في الأردن تنفق الأسر على تعليم الأبناء ولا يوجد فرص كثيرة لعمل الطلبة. بعض الأسر لا تملك موارد مالية كافية لتعليم الأبناء ومع ذلك تحرص على أن يدخلوا الجامعات ويحصلوا على درجات علمية. يشكو الخريجون من البطالة في الوقت الذي تكتظ أسواق العمل الأردني بالعمال العرب والأجانب. هذه العوامل وغيرها تجعل الهمس والسؤال حول جدوى وجود كل هذه الجامعات وتكاثرها مشروعا إلى حد ما لكن المشكلة تكمن في تجاهل نظرة الأردني للتعليم والمعنى الثقافي والوظيفة الاجتماعية الاقتصادية للتعليم وكيفية نشوء وتطوير هذه النظرة والوظيفة؟
العلاقة بين الأردنيين والتعليم علاقة حميمة، فمنذ نشوء الدولة واستقرار البلاد أصبح التعليم هدفا يلاحقه الأبناء ووسيلة يعول عليها الآباء لتغيير واقع أسرهم الاقتصادي ومكانتها الاجتماعية. فما أن تأسست المدارس في المدن والبلدات الأردنية الرئيسة حتى تدافع الجميع باتجاهها. الذكور من أبناء الفقراء كانوا الأكثر اقبالا على التعليم فقد رأوا فيه أملا للخلاص من الفقر وسبيلا لتحقيق أحلامهم في العيش بحرية وكرامة ورخاء وانتشال أسرهم من ظروف الفاقة والعوز. للكثير من الأسر الأردنية كان التعليم المشروع الاقتصادي الذي تعول عليه الأسر وينتظر الجميع عائداته بفارغ الصبر.
التهافت الذي شهده ويشهده المجتمع الأردني على التعليم الجامعي واستعداد الأسر لوضع كافة مواردها وربما الاقتراض من اجل حصول الأبناء على أعلى الدرجات العلمية الممكنة والألقاب المصاحبة يحمل الكثير من المعاني التي لا تتوقف عند تحسين مستوى التعليم بل تمتد للاستمتاع بالحصول على الألقاب والشهرة والنظرة والامتيازات المصاحبة لذلك.
في الأردن يسعى غالبية من ينهون الثانوية العامة الى دخول الجامعات ويطمح جلهم للالتحاق في التخصصات التي تمنح ألقابا مهنية مثل الدكتور والمهندس لأسباب تتجاوز الرغبة في ممارسة المهن التي يؤهلون لها. في كثير من الحالات يختار الآباء والأمهات المجالات الدراسية التي يلتحق بها باعتبارها التخصصات التي تمنحهم شرف استخدام الألقاب التي يحصل عليها الأبناء. ففي مناداة الأب والأم بـ"ابو الدكتور وأم الدكتور" تعبير عن حدوث التغيير في النظرة المجتمعية للأسر وقطف لثمار نضالها لتغيير موقعها ومكانتها وادوارها في البناء الاجتماعي.
النجاح الذي تحققه الأسر في تمكين أفرادها من الحصول على الشهادات والألقاب والصفات وسيلة مهمة وفعالة يجري استخدامها في التفاوض الصامت مع المجتمع المحلي من اجل الاعتراف بالمكانة الجديدة للأسرة والتي قد تمهد لقفزات لاحقة أخرى على السلم الاجتماعي والسياسي. (الغد)