بطاركة الشرق في بغداد، القادم أجمل
الاب رفعت بدر
06-12-2018 01:47 AM
ثمّة أحداث تجري وتعطي بصيصاً من أمل بأنّ القادم مبشر بالخير ويحمل قيم التضامن والتفاؤل، بعد حالات الاحباط والجنون والظلم والظلام. من تلك الأحداث اجتماع مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك لأوّل مرّة في العاصمة العراقية، بغداد، وقد حلّوا - أي بطاركة الشرق، ضيوفاً على أخيهم البطريرك الكاردينال لويس ساكو الذي بدا عليه سرور كبير في استضافة أشقائه لأول مرّة في بلاده التي انهكتها المآسي.
اجتماع البطاركة ليس بالعمل الخارق وهو دوري يجري كل سنة في بلد من البلدان التي يوجد فيها كرسي بطريركي، وهي فلسطين ولبنان وسوريا ومصر والعراق والأردن (بحكم ارتباطه بالقدس). أما البطاركة فهم يمثلون سبع كنائس كاثوليكية موجودة في الشرق، وهي اللاتين والروم الكاثوليك والموارنة والسريان والأرمن والأقباط والكلدان، لكنّ ميزة هذه المرّة، أنها في العراق، البلد الذي عانى حروباً سياسية، كما عانى مسيحيون بشكل خاص اضطهاداً دينياً دنيئاً، من عصابة داعش، فأثّرت على التعددية في منطقة الموصل وضواحيها.
والمهم أنّ الاجتماع قد رافقه العديد من اللقاءات الجانبية، فضلاً عن مقابلة الرئيس العراقي الجديد العائد للتو من زيارة الفاتيكان ومقابلة قداسة البابا فرنسيس، وكذلك زيارة لرئيس الوزراء. هذا من الجانب الرسمي، أما الجانب الشعبي المؤثر فكان قداساً في كنيسة سيدة النجاة في الكرادة، في ذكرى ثماني سنوات على الانفجار الوحشي فيها، وتمت الصلاة على أرواح الشهداء، ومن أجل وحدة العراق وسلامة أراضيه وسكانه. وفي اليوم التالي جاء لقاء صلاة حاشد في كنيسة مار يوسف في الكرادة مع شباب وشابات العراق. الذين أبدعوا بالتحضير للقاء وارتدوا الملابس الفلكلورية الشعبية دلالة على تمسكهم بأرض الأباء والأجداد، بالرغم من «سلسلة» الحروب والهزات السياسية والأمنية التي خضّت بلادهم. وكم كان مدهشاً أن نسمع الترانيم الشجية والكلمات الرقيقة التي رتلها الشباب مصلين من أجل السلام والطمأنينة في الشرق وفي العالم، فكانت الجوقة تجيب:»ربُّنا لا ينسانا، وهو دائماً معنا، في طريق ذي الحياة، مرشداً لنا».
وكان المشهد المؤثر حين صعد المنبر شاب وشابة وقدما خبرتهما في الحياة. فالأول هُجّر من الموصل على أيدي الدواعش، والثانية كانت في بغداد وتعرّضت للكثير من الضغوطات والمحن، إلاّ انهما بقيا في «الوطن» رافضين تجربة الخضوع للهجرة وترك الأهل والبلاد. حيث وجه العديد من الشباب أسئلة مهمة وصريحة إلى البطاركة الحاضرين فأجاب هؤلاء عن أسئلة «ابنائهم» الشباب وتساؤلاتهم وقلقهم وآمالهم حول المستقبل والعلاقات بين الأديان ووحدة الكنيسة وأي دور سياسي ينبغي عليهم أن يقوموا به. كان البطاركة صريحين بقولهم: ليس كل شيء متوقفا بأيدينا، فنحن وأنتم جزء من مجتمعاتنا وما يحدث لهذه يحدث لنا جميعاً. أما الحلول السياسية فلا دخل لنا في احداثها. لكننا نرجو الله تعالى أن يلهم السياسيين للقيام بكل ما يمكن لتحسين الملفين اللذين يؤرقان بلداننا: الملف الأمني من جهة والملف الاقتصادي من جهة أخرى. ولا تحسين لأوضاع الناس المعيشية دون تحقيق الأمان على أرض الواقع، والعكس صحيح، ذلك لأنّ الحياة الأمنية تتحسّن مع تحسّن أوضاع الناس والتقليل من معاناتهم المادية.
أخيراً، وفيما كان يتاح لنا، نحن مرافقي أصحاب الغبطة، للخروج في شوارع العراق، كانت زينة الميلاد تسطع على أبنية كثيرة، وكنا نشكر الله على عودة هذه الألفة، مصلين إلى رب السلام أن يحفظ شعوب منطقتنا، ليعود الشرق كما كان: مركزاً للحوار والانسجام، وسط أجواء التعددية الدينية والسياسية الراقية. القادم أجمل في العراق، بإذن الله!
الراي