بني هاني .. ونجاح "الجامعة الهاشمية"
إبراهيم العظامات
05-12-2018 12:39 PM
يُدهَشُ كثير من زوّار الجامعة الهاشمية عندما يجيب رئيسها الدكتور كمال الدين بني هاني عن سؤال: "ما تخصصك"؟، "أنا لست مهندسًا" بل "طبيب جرّاح"؛ فبعد أن يُنهي حديثه المسهب عن تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة والمياه والبيئة يظن الزوّار أنهم أمام متخصص وليس مهتمًا، ويظن آخرون أنهم يحاورون "اقتصاديًا" لحرصه الشديد على توضيح كيف استطاعت "جامعة حكومية لم تتلقَ دعمًا ماليًا حكوميًا" أن تنجح في تنفيذ مشاريعها، وتزيد رواتبها،وتُعَيِّن وتبتعث المئات دون أن تقترب من رباعية المحرمات الاقتصادية: القروض والديون والعجوزات وانتظار الدعم.
ويسأل البعض: "إذن ما سر نجاح الجامعة الهاشمية وتميزها؟"، يجيب الدكتور بني هاني: "في النجاح لا يوجد أسرار"،"وَثَّقنا تجربة الجامعة في كتاب "حصاد التكليف" وهو متاح لمن أراد"،ويضيف: نجحنا بـ"حُسُن إدارة الموارد"، وبـ"المجهود الجمعي"لجميع العاملين في الجامعة، ويؤكد: "كل الجامعات والمؤسسات تستطيع أن تنتج قصة نجاحها الخاصة بها"، فالنجاح "سهل" لكنه لا يتحقق بسهولة بل بالجهد والصبر.
الاستقرار الإداري والتجديد الذي حظي به لدورة ثانية أعطته (8) سنوات في إدارة الجامعة مكنته من تنفيذ أفكاره ومشاريعه. في الفترة الأولى من رئاسته للجامعة (2012-2015) التي تزامنت مع بدايات ما يسمى الربيع العربي كانت معظم أيام عمله مواجهة مع العنف الطلابي وضغط المجتمع والمسؤولين ومطالب العاملين وهجوم بعض المواقع الإعلامية.
"الطبيب الجَرَّاح" الذي غادر غرفة العمليات إلى غرفة القيادة، جالبًا معه من الأولى إلى الثانية: السرعة والعزم والجرأة و"الحل الجراحي"، فالأسرار في إدارة الرجل، أنه سريع التنفيذ بالرغم من كل المعيقات البيروقراطية، ولديه عزيمة في العمل فلا "يكل ولا يمل"، فتسأل متى أخر إجازة أخذها الرجل؟ العاملون في الجامعة "لا يذكرون اطلاقًا"، هو يؤكد ذلك: "أخر إجازة أخذتها قبل (18) عامًا في نهايات سنة 2000"، وجرأته على تخطي الحدود الإدارية التقليدية واضحة تمامًا بالرغم من أنها تُثير زوابع المقاومة، وبمبضع عملياته أستأصل عشرات الآفات المالية والإدارية والمسلكية ولما يتغلب عليها نهائيًا.
الرجل الذي "لا يظهر عليه التعب"،يجلبُ معه إلى بيته يوميا (8) دفاتر بريد فيها مئات الكتب الرسمية ليوقعها، ويَرُدُ على الاتصالات والرسائل الإلكترونية التي تصله من مسؤولين وأساتذة وطلاب وإداريين ومواطنين.
بني هاني الذي بَرَعَ في "ضَبطِ" كل "فلس" يدخل ميزانية الجامعة ويخرج منها، وخَاضَ باكراً معارك من أجل تعظيم موارد الجامعة المالية وسد أي منفذ للهدر أو التنفيع، ودَخَلَ محاكم من أجل تحصيل أموال الجامعة بوصفها "أموالًا عامةً" مما وسّع دائرة الناقدين والمعارضين، وتابع تحصيل "دنانير معدودات" على زملاء له فوقعت خصومات، وفَرَضَ غرامات على ترك المكاتب مضاءة ليلًا، وأَصَرَّ على إبقاء القرار حتى بعد تنفيذ أول مشروع كبير للطاقة الشمسية في الجامعات الأردنية، وقضى على العمل الإضافي غير المبرر وواصل الضبط المالي حتى شن حربًا على "المناسف".
"الرجل الصلب في تحقيق الإنجاز" كما يوصف، يصبح رجلًا "عنيدًا" عند تنفيذ القانون خاصة في قضايا حماية الفتيات من التحرش الجنسي والعنف الطلابي الذي تلاشى بفضل إنفاذ القانون وإعادة الهيبة للثانوية العامة.
صلابة الرجل اكتسبها باكرًا في طفولته في "ستينيات" "البارحة" عندما كانت قرية قبل أن تلتهمها اربد وتصبح إحدى أحيائها، فقد تربى في عائلة مكونة من (15) فرداً في مستوى معيشي متواضع كبقية العائلات الأردنية في ذلك الزمن، وتَجَلَّت صلابته تلك عندما تَنَكَرَ بزي رجل "كُردي" ليخطب زميلته "الكردية" في كلية طب بغداد، كان ذلك قريباً من بداية الثمانينات،اجتاز الشاب الأردني أعالي الجبال المحيطة بـ"السْليمانية" شمالي العراق، صعد وهبط على ظهور الخيول سالكًا دروبًا وعرة بحثًا عن "عم" شريكة الحياة المستقبلية ليقنع "شقيقه" بالموافقة، ومَكَثَ ثلاثة ليالٍ ثلجية في سفوح الجبال حتى وصل، وعَلِمَ العم بالحكاية، أجاب موافقًا: "إنسان يجتاز كل تلك الصعاب من أجل فتاه فهو جدير بها، وستكون في آمان برفقته". وغادر بغداد "في عِزها"؛ بشهادة الطب بتفوق.
وبالرغم من ذلك فـ"الرجل بسيط جدًا" في ملبسه غير المتكلف، وفي كلامه البعيد عن التنظير، في اختياره الجلوس على طاولته المستديرة، وهَجرَهُ مكتبه الذي جَلَسَ عليه (7) رؤساء سبقوه.
يَحتَفِلُ في الخامس من الشهر الحالي بعيد ميلاده الـ(60)، وقد أمضى سنواته جادًا ومجتهدًا و"شغيٍّلاً" ،فقد حصل على معدل (90%) في الثانوية العامة من ثانوية إربد العام 1976، وشهادة الطب مع مرتبة الشرف من جامعة بغداد منتصف الثمانينات – عندما كانت بغداد قِبلة طلاب العلم -، وشهادتين في زمالة كلية الجراحين الملكية في جامعة غلاسكو البريطانية وزمالة كلية الجراحين الدولية من ذات الدولة بداية التسعينات، ليحصل في العام 2002 على شهادة الدكتوراه في الطب من جامعة ليدز البريطانية في تخصص الجهاز الهضمي؛ ليكون الأول في الأردن الحاصل على درجة الدكتوراه في الجراحة في هذا التخصص.
لم يتخلَ عن "جده واجتهاده" سواءً في دراسته الطب وتدريسه له أو أبحاثه التي تجاوزت الـ(120) بحثًا أو إجراء عملياته أو إدارته فمازال مثابرًا على عمله ومصممًا على تميزه، فهو "يُحضِّر درسه جيدًا"، و"سمعت" أنه يقرأ الاتفاقيات والعطاءات الهامة من النهاية،ما يأخذ عليه في اجتهاده أنه يحمل عدة "بطيخات" معاً، برنامجه اليومي مكتظ وبالكاد تجد ساعة استراحة.
هو "أكاديمي" مختلف عن المجموعة الأكاديمية التقليدية، وليس من طبقة المسؤولين المتداولة أسماؤهم للمواقع الرفيعة- بالرغم أن مصادر عدة أكدت أنه رُشح لأكثر من موقع وزراي ولكنه اعتذر مفضلًا موقعه الحالي-. اختلافه في الجزئيات كما الكليات: "ابن جواهر البطاينة وحسين العلي" يدون اسم والدته في سيرته الذاتية خلافًا للسائد كما يورد اسم زوجته الطبيبة "غولزار كريم" في ذات السيرة، ما يؤكد "اختلافه" أيضًا؛ في أنه يفكر في أبسط الأشياء وأهمها؛ يطرح فكرة إنشاء صالون حلاقة رجالي في الجامعة فيُثيرُ "سخرية الطلبة" في نفس الوقت الذي ينفذ فيه رابع أكبر مختبر إنشاءات في العالم فيحصد ثناء جلالة الملك عبدالله الثاني، لا يرفض فكرة مفيدة أو مشروع مستدام أو مبادرة إبداعية من خارج الجامعة أو من داخلها سواء أكانت من طالب أو موظف أو أستاذ أو زائر فكلمته المتداولة "Done".
رئيس الجامعة الهاشمية "مُوَلَّد للأفكار" لكنه يلتقط أية فكرة مفيدة لُينفذها آخرها كان سماعه يوم الأربعاء الماضي - ربما لأول مرة في حياته –عن نجاح تجربة نبات الكينوا في العراق من مسؤول بعثة "الفاو" في بغداد، الأحد الذي تلاه كانت "بذور الكينوا" في مكتبه، وأضحى مُتحدثًا عن فوائد هذا النبات الجنوب أمريكي الملائم للبيئات الصحراوية وقد يكون البديل للقمح والأرز.
المواقع الهامة في حياته الإدارية "قليلة" عميد كلية طب جامعة العلوم والتكنولوجيا ثم نائب رئيس الهاشمية ثم رئيسها، وخبرة طبية وإدارية لا يستهان بها في عدة مواقع في مستشفى الملك المؤسس عبدالله الجامعي، ربما هذه مزية أبقته يُفكر "خارج الصندوق" فلم تُقيده البيروقراطية بقيودها الحديدية. فعندما شَكَتْ المرشحة للابتعاث إلى كندا من تأخر حصولها على قبول لدراسة الدكتوراه هناك، فاجأها "تواصلي مباشرة مع رئيس وزراء كندا جاستن ترودو": "أبعثيلو إيميل"، ضَحِكَت وشاركها الحضور، وقابلت الأمر غير مبالية"بدهشة" في حين كان هو يُعيد كلامه بمنتهى الجدية.
يقترب أحيانًا من "اليسار" بإصراره على طرح مشروع مجانية التعليم العالي في المقابل يتهمه خصومه بالعناية بـ"الاستثمار" وزيادة أموال الجامعة على حساب جودة التعليم. يجيب: "الاستقرار المالي" أساسي لتنفيذ أي مشروع للتطوير في التعليم والبحث العلمي، ويضيف: "معظم ما نُفِذَ في الجامعة هي مشاريع تعليمية من قاعات صفية ومختبرات ومبانٍ خدمية" و"أبقيت أعداد قبول طلبة الطب دون زيادة"، واتخذنا في مجلس العمداء والجامعة العام 2016 قرارات بتخفيض رسوم البرنامج الموازي لكنه مجلس الأمناء السابق لم يدعمنا في مسعانا.
للرجل خصال سلبية كما يتحدث بعض من عمل معه: أنه "متمسك بآرائه"، و"غير مُجامل"، وحديثه عفوي جدًا وبعيد عن الدبلوماسية وبعض ألفاظه "شعبية"، و"غضبه واضح وقاسٍ" فضلًا عن أنه طبيب "مُدخِن".
أقام علاقة وجدانية مع "الجامعة الهاشمية"؛ فعندما رشحته الدكتورة رويدا المعايطة لمنصب نائب رئيس الجامعة وعميد كلية الطب في تشرين الأول العام 2010، وافق ثم تَرَدَّدَ، لأنه "استبعد المشوار" و"لم يكن على معرفة كافية بموقع الجامعة"، اليوم "الهاشمية" "بنت" رابعة في أسرته الصغيرة، لا يطيب النهار إلّا بصحبتها.
"تشارين غالبًا ما تجلب له البشائر"وتشرين الثاني هذا العام كان أعظمها ببشرى زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني للجامعة الهاشمية والثناء على نجاح إدارته وتميز طلابها، ومشاهدته "فرح" جلالة الملك عندما اطلع على ما نُفِذَ وأنجز في "الهاشمية"، فقد أَطَل سيد البلاد من على تلة شامخة على "قوس واسع من المشاريع الريادية" التي تُحاكي رؤى قائد البلاد جلالة الملك.
لم يستعين بأي مستشار أو موظف من خارج الجامعة أبقى كوادر الجامعة الإدارية كما هي فمنذ (7) أعوام لم يعين أي إداري، آمن بكل فرد في الجامعة، فحقق بهم ومعهم ما أراد وأرادوا.
أستاذ الطب المُترقي إلى رتبة الأستاذية مع الأقدمية بصفة استثنائية العام 2005 لكثافة وتميز أبحاثه في الأورام السرطانية، يُشيرُ كثيرون إلى أنه "مهندس تميز الهاشمية الاستثنائي"، و"جزء هام من سر نجاحها".