الوطن والمواطنة والوطنية!! 1/2
أ.د عمر الحضرمي
05-12-2018 12:17 AM
منذ اتفاقية وستفاليا عام 1648، قامت هناك جدلية بين ثلاثة مصطلحات؛ الوطن والمواطنة والوطنيّة. وقد انخرط في هذه الجدلية جُلُّ، إنْ لم يكن كُلُّ، المجتهدين في النظرية السياسية والمنشغلين بها من المفكرين السياسيين وعلماء الإجتماع السياسي. وقد ذهب كل منهم في مشرب مختلف، وإنْ التقوا جميعهم على مبدأي الولاء والانتماء المتبادلين بين الدولة وبين المواطن، حيث قالوا بأن»الدولة»القومية قد ارتكزت على ثلاثة أسس مثّلت التكييف القانوني للدولة؛ وهي العنصر المادي الذي تمثّل بالأرض ذات الحدود المعترف بها من قِبَل المجتمع الدولي، والعنصر البشري الذي مثّل مجموعة من الناس يقيمون بصَفة دائمة على هذه الرقعة من الأرض، وعنصر القيادة التي توكّلت بإدارة شؤون الناس في الداخل وفي الخارج. ثم أضافوا عنصرين آخريْن تمثّلا في السيادة والاعتراف الدولي.
وهكذا أصبحت»رقعة الأرض»هي المرتكز لمعنى»الدولة»بما تضمّه من حدود وموارد طبيعية، وبما تمثله من كرامة وهيبة واستقلال واعتزاز. وحول هذه الرقعة قامت فكرة الدفاع والحماية والحرب والسلم والعدوان والاعتداء والنصر والهزيمة والاحتلال والتحرير وحق تقرير المصير، ومعنى الجيش والمكوّنات الأمنية الخارجيّة. وصارت حماية هذه الأرض الوظيفة الرئيسة للدولة وأجهزتها، وامتلأ المصطلح بكل معاني الحب الذي قيل أنه شعبة من الإيمان.
ومن ذلك جاءت قيم «المواطنة» بعناصرها الثلاثة؛ العنصر المدني الذي يتضمن الحرية الفرديّة، وحرية التعبير والاعتقاد والإيمان، وحق التملك، والحق في العدالة، وتحقيق العنصر المدني في المؤسسات القضائية. أمّا العنصر السياسي فقد تمثّل في المشاركة السياسية والتشاركيّة السياسيّة. والعنصر الاجتماعي الذي يعني تمتع المواطن بخدمات الرفاهيّة الاجتماعيّة المتمثلة بحق التعلم والصحة، وما يعنيه ذلك من أسس المواطنة الرسمية والمواطنة الأساسيّة، وهذا بمجموعه يكوّن عضوية الفرد في الدولة القوميّة، أي أنْ يشكّل الفرد الجزء الأساس من الكيان السياسي الاجتماعي، حائزاً على حقوقه الحسيّة المعنويّة، وحق المشاركة في الحكم، من خلال المؤسسات الرسميّة القائمة على المنشآت السياسية والقانونيّة والدستوريّة.
وهكذا فإننا حين نتحدث عن المواطنة، إنّما نتحدث عن ظاهرة مركبّة محورها الفرد الخاضع لنظام محدد من الحقوق والواجبات، وعندها تغدو المواطنة هي تلك المكانة التي تيسر الحصول على الحقوق والقوى المرتبطة بها.
أما المساق الثالث فيتمثل بمصطلح «الوطنية»، التي تُعْرف أيضاً بـِ «الفخر القومي» والتي تتمحور حول التعلّق العاطفي والولاء لأمة محددة بصفة خاصّة واستثنائية عن البلدان الأخرى. و»الوطني»، كما تقول الموسوعة الحرّة (ويكيبيديا)، هو شخص يحب بلاده، ويدعم سلطتها، ويصون مصالحها. وتتضمن الوطنية مفاهيم ومدارك وثيقة الصلة بالقوميّة، وبالقيم الأخلاقيّة، ومعاني الإيثار التي تدفع بالأفراد إلى التضحية بأرواحهم في سبيل حماية بلادهم.
وعلى المقلب العام فإن الوطنيّة مفهوم معقد عسير على إيجاد حل نظري متكامل، برغم مركزيته في الدراسات السياسية والاجتماعية والفكريّة، ذلك لأن الوطنيّة تحدد كثيراً من معايير النخب والجماهير، وتؤثر على تقييمهم وأحكامهم فيما يتعلق بالقضايا المختلفة.
وهكذا فإن الوطنية هي عبارة عن خليط من التعلق العاطفي بالوطن، ورموزها التعريفية، وقيمها التأسيسيّة التي تعرف بالمبادئ الأولى أو المبادئ الجوهرية.
وفي المطرح الأخير نقول: إن هذه المفاهيم الثلاثة والصادرة عن هذه الحفنة الطاهرة من التراب والتعلق بها والانتماء إليها، قد دارت في أروقة التاريخ، ولكننا سنقف معها في حديث لاحق بين أركان الدولة العربية.
Email: ohhadrami@hotmail.com
الرأي