الآثار الإقتصادية لجريمة غسل الأموال
د.سعاد ياسين
04-12-2018 02:58 AM
يقصد بغسل الأموال ضخ الأموال المتحصلة من الجرائم في الاقتصاد القومي المشروع للدولة؛ من أجل إخفاء مصدرها الإجرامي، حيث يستخدم اصطلاح " غسل الأموال " ، للتعبير عن العمليات التي يجريها مرتكبو الجرائم ذات العائد المادي أو المتعاملون معهم ، بهدف إخفاء حقيقة مصدر ذلك العائد ، ليبدو كما لو كان حصيلة أنشطة مشروعة ، ومن ثم التوصل إلى إدماجه في الاقتصاد الوطني ليأخذ دورته بصورة طبيعية ، لتفادى اكتشاف حقيقة مصدره غير المشروع.فجريمة غسل الأموال هي عملية أو عمليات اقتصادية ومالية مركبة تهدف إلى إضفاء صفة الشرعية من حيث الظاهر لأموال متحصلة من أنشطة إجرامية ، وذلك بإخفاء المصدر الإجرامي لهذه الأموال ، مما يتيح للجناة الانتفاع بها وإدخالها في دائرة التعامل الاقتصادي والمالي القانوني.
ولذلك فلا غرو أن تضحى عملية غسل الأموال جريمة اقتصادية باعتبارها تمس المصلحة الاقتصادية العامة للدولة بالاعتداء على النظام الاقتصادي والمالي للدولة، ويترتب على جريمة غسل الأموال العديد من الآثار الاقتصادية السلبية والتي من أهمها :
– أولاً – انخفاض معدل الدخل القومي فإذا كان هذا الأخير يتمثل في مجموع العوائد التي يحصل عليها أصحاب عناصر الإنتاج من المواطنين مقابل استخدام هذه العناصر في إنتاج السلع والخدمات سواء داخل الدولة أم خارجها خلال فترة معينة فإن مؤدى ذلك أن الأموال المهربة للخارج – من الدولة –إلى البنوك العالمية من أجل إجراء عمليات الغسل عليها فإنها تعد بمثابة استقطاعات من الدخل القومي؛ وبالتالي تمثل زيفاً في الاقتصاد الوطني مما يشكل ضرراً بهذا الأخير؛ لأنها تكون على حساب بقية أصحاب الدخول المشروعة في الدولة وبالتالي تساهم في زيادة معدلات الاستهلاك بشكل يفوق الدخل القومي.
– ثانياً – انخفاض معدل الادخار والاستثمار؛ حيث ان عملية غسل الأموال وهي من الجرائم التي تؤثر على الدخل القومي فضلاً عن كونها نوعاً من الفساد المالي والاقتصادي؛ لذا فثمة انخفاض للادخار بسبب استقطاع الأموال من الدخل القومي ومع انخفاض معدل الادخار فإن ثمة زيادة في معدل الاستهلاك وهو ما يؤدي إلى انخفاض الاستثمار فلا شك أن خروج رأس المال – الوطني أو الأجنبي – يؤدي إلى تقليل الاستثمار .
– ثالثاً- ارتفاع معدلات التضخم؛ حيث يترتب على غسل الأموال زيادة السيولة المحلية بصورة لا تتناسب مع الزيادة في إنتاج السلع والخدمات؛ مما يؤدي إلى حدوث تضخم في اقتصاد الدولة بسبب تدهور القوة الشرائية للنقود وبالتالي يحدث تدفق نقدي استهلاكي، مما يساهم في التوسع الحكومي في الإنفاق العام في الدول النامية؛ مما يؤدي إلى عجز الدولة عن دفع النفقات العامة، وهو ما يجدي بالحكومات إلى تعويض العجز بفرض العديد من الضرائب مما يؤدي إلى زيادة المستوى العام للأسعار وبالتالي التضخم.
– رابعاً- تدهور قيمة العملة الوطنية حيث أن ثمة ارتباط بين جريمة غسل الأموال وزيادة الطلب على العملات الأجنبية التي يتم تحويل الأموال المهربة إليها بقصد الإيداع أو الاستثمار في الخارج، مما يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية وهو ما يؤدي إلى أثر خطير على الاقتصاد الوطني بسبب غسل الأموال .
– خامساً –يترتب على غسل الأموال عجز ميزان المدفوعات لاسيما الميزان التجاري وميزان المعاملات الرأسمالية والاحتياطية النقدية الأجنبية فضلاً عن زيادة المديونية للدولة بسبب زيادة الطلب على العملة الأجنبية؛ مما يؤدي إلى حدوث أزمة سيولة النقد الأجنبي مما يؤدي إلى نقص احتياطيات الدولة من العملة الأجنبية لدى البنك المركزي لديها.
تلك بعض الآثار الاقتصادية لجريمة غسل الأموال التي تؤدي إلى تسهيل كثير من الأنشطة غير الشرعية في الدول من أجل إخفاء الصفة غير المشروعة للمال في تلك الأنشطة ويزيد من الخطورة الاقتصادية أن ثمة زيادة ملحوظة في عمليات النفقات غير المشروعة وبالتالي باتت خطورة هذه الجريمة ليست خطراً على الاقتصاد الوطني فحسب بل على الاقتصادي العالمي قاطبة.
* الكاتبة نائب رئيس جمعية المحامين البحرينية.