في المقال السابق قلنا اننا نتفق مع وزير الشؤون السياسية في جزئية اهمية التوعية بضرورة الاحزاب واننا نختلف معه حول اثر الانظمة الانتخابية على تفعل الحياة الحزبية وان تطبيقنا لثلاثة انظمة انتخابية بصيغتها الاردنية لا يمكن ان يلغي ما استقرت عليه العلاقة الاساسية ما بين النظم الانتخابية والحياة الحزبية وان النظم الانتخابية هي احد اهم اركان خلق حياة حزبية برلمانية فاعلة. وتأكيد على وجهة النظر العلمية هذه تتناول هذه المقالة الشق الثاني.
عندما يتم اختيار واحد من النظم الانتخابية تكون هناك أهداف يتوقع تحقيقها ، كالحكومات البرلمانية أو الحكومات المتمكنة، أو الحكومات الائتلافية أو الأحزاب الفاعلة أو عكس ذلك تماما عندما يراد للبرلمانات والديمقراطية أن لا تكون أكثر من قشرة خارجية.
لذلك تخضع عملية انتقاء النظام الانتخابي لعدد كبير من الاعتبارات، وفي مقدمتها الاعتبارات والأهداف السياسية ، إذ يمكن لمن يختار النظام الانتخابي أن يتحكم بمسار النتائج مسبقا ، فمن خلال ترجمة الأصوات إلى مقاعد في الهيئة البرلمان ، يمكن للخيار الممارس في اختيار النظام الانتخابي أن يحدد من هم المنتخبون وأي الأحزاب يمكن أن يحصل على فرص أفضل للوصول إلى السلطة ، فضلا عن انه يرسخ مصالح بعينها ويضعف غيرها.
فبينما شجعت بعض النظم الانتخابية أو ألزمت قيام الأحزاب السياسية ؛ عملت نظم أخرى من خلال المرشحين الأفراد فقط . وفي حين يعمل بعضها على توفير حوافز للأحزاب لتوسيع قاعدتها الشعبية ، فان بعضها يعمل على حصرها ضمن اطر ضيقة ، وفيما قد يدفع بعضها بالأحزاب نحو الدخول في تحالفات بينها ، قد يفضى بعضها إلى تمكين حزب واحد من الانفراد بالسلطة. وكذلك قد يعزز بعضها من مشاركة الأحزاب في الانتخابات وقد يحد منها.
كذلك قد لا يعمل النظام الانتخابي بنفس الطريقة في دول مختلفة، إذ رغم استخدام نظم انتخاب متشابهة في عدة دول، إلا أن نتائجها أو مخرجاتها لم تأخذ نفس الاتجاه ، ومرد ذلك يعود لطبيعة المتغيرات المرتبطة بالنظام الانتخابي والعملية الانتخابية كعدد المقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية وحجم الدائرة والمعادلة الحسابية أو استخدام نظام الحصص ( الكوتا) والعتبة وغيرها، أو اختلاف السياق الاجتماعي والسياسي .
فعلى سبيل المثال رغم الاعتقاد السائد بأن نظم التعددية / الأغلبية تفضي إلى ارتكاز النظام السياسي على وجود حزبين اثنين بينما تفضي النظم النسبية إلى قيامه على أساس من التعددية الحزبية، إلا أن ذلك لم يشكل قاعدة مطلقة ، فنظام الفائز الأول ونظام الدائرة الفردية في السنوات السابقة سهل في تفكك بعض الأحزاب ولم يسهم في تكتل مجموعات الأحزاب السياسية ضمن أحزاب كبيرة في بعض الديمقراطيات الراسخة مثل كندا والهند ، كما لم يؤد إلى قيام أحزاب سياسية متماسكة في بابوا غينيا الجديدة . في نفس الوقت ، فقد نتج عن النظام النسبي سيطرة الحزب الواحد في ناميبيا وجنوب أفريقيا وأماكن أخرى .
وبناء على كل ما سبق فإن الاعتبارات السياسية للمشرع هي التي تتحكم في تصميم المتغيرات المرتبطة بالنظام الانتخابي وهذه المتغيرات هي المسؤولة عن اتجاه نتائج تطبيق اي نظام انتخابي بمعنى انها قادرة على افراغ النظام من محتواه او اتجاهه او السيطرة على مساراته. ونحن في الاردن يمكننا ان نصمم هذه المتغيرات بحيث تؤدي على خلق حياة حزبية برلمانية فاعلة . وفي المقال القادم سنعرض لأثر النظم الانتخابية الثلاثة التي طبقها الاردن على الحياة الحزبية والبرلمانية، واي النظم كان يمكن تطويره والبناء عليه اذا كنا فعليا نريد بناء حياة حزبية برلمانية مؤثره.