لعل من نافلة القول التأكيد أن العقيدة الصهيونية تؤكد أن على العرب الاعتراف لا بإسرائيل القائمة داخل حدود حزيران 67، بل بإسرائيل دولة "للشعب اليهودي" بما ينطوي عليه هذا التعريف من التمدد الاستعماري في أراض فلسطينية وعربية أخرى، كما ينطوي على ترحيل وان على دفعات لعرب داخل الخط الأخضر.
وهذا ما تؤكده المعطيات والتصريحات للمسؤولين في دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ ففي مراسم إحياء ذكرى وفاة منظر الصهيونية بنيامين زئيف هرتسل، التي أجريت قبل أيام على جبل شرفة في القدس الذي سمي زورا "جبل هرتسل" دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العرب والفلسطينيين "لصرف النظر نهائيا عن مطلب توطين سلالة اللاجئين في داخل إسرائيل". واعتبر أن عودة اللاجئين هو تقويض تدريجي لإسرائيل.
وتلك التصريحات التي ترد على لسان اليمين الحاكم تهدف إلى تقويض أي احتمال في ممارسة الضغط على دولة الاحتلال من قبل إدارة الرئيس باراك اوباما التي يعتبرها نتياهو "ضغوطاً" تعرقل أهداف إسرائيل، أي أهداف المشروع الصهيوني في المنطقة في استكمال معالمها ورسوخ قواعدها بعدما أبقتها الحكومات السابقة تتميز بالالتباس والمراوغة وشراء الوقت وعدم التصريح بنهايات أهدافها أو إبقائها غامضة إلى حين تتوافر الفرص والأجواء، ويبدو أن الزمرة الحاكمة في إسرائيل وصلت إلى قناعة تامة بأن بلورة ما تريده إسرائيل وما تلتزم به حيال المشروع الصهيوني لم يعد قابلا للتعديل ولا للتغيير.
وكانت معالم هذه الإستراتيجية تظهر على مراحل، لكن يبدو إن الحكومة القائمة على تحالف "ليكود إسرائيل بيتنا"، تعتبر أن الظروف أصبحت مناسبة لوضع المجتمع الدولي، وخصوصا إدارة الرئيس الأميركي اوباما أمام واقع جديد يفرض التكيف معه، حتى لا تتمكن الإدارة الأميركية من أن تأخذ على محمل الجد قدرتها على حرف إسرائيل عن صيرورة مبتغاها أو عرقلة وسائل – أو بعض وسائل – بلوغ أهدافها.
وهذا ما تأكد في أكثر من مناسبة ولعل آخرها والأخطر تصريحات رئيس وزراء دولة الاحتلال مؤخرا والتي تؤكد المضي قدما في التسوية على الطريقة الإسرائيلية "أنا أنتظر اليوم الذي يقوم به القادة الفلسطينيون بالوقوف أمام شعبهم والقول بشكل واضح لا يقبل اللبس: يكفينا من هذا الصراع. نحن الفلسطينيين نعترف بحقوق الشعب اليهودي في دولته في هذه البلاد، وسنعيش إلى جانبكم بسلام حقيقي". وأضاف: "حينما تقال هذه الأمور ستفتح نافذة بل فتحة كبيرة للسلام، دولة اليهود هي المفتاح لوجودنا وهي مفتاح للسلام مع جيراننا"!
إن ما يتهدد القضية الفلسطينية من أخطار كبيرة يستدعي موقفا موحدا يردع إسرائيل ويردع تماديها في انجاز مشروعها الصهيوني، من خلال تعبئة قوى قادرة ومستعدة للإسهام في استنباط استراتيجية واقعية للمواجهة، وإعادة تفعيل قرارات المقاطعة العربية وملاحقة إسرائيل في المحكمة الدولية الجنائية، واستنفار مؤسسات البحث والدراسات والحكومات العربية والجامعة العربية ومؤسسات المجتمع المدني.
إن ما ورد من تصريحات على لسان نتنياهو لا يجوز مطلقا الاستهانة بها كما يجب ان يشحذنا جميعا وفورا على توفير خطاب موحد قادر على مواجهة المشروع الصهيوني التوسعي، كما يستدعي من الفلسطينيين في الداخل العمل على تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تشكل خط الدفاع الأول والاهم على الإطلاق في مواجهة مشاريع تذويب الهوية الوطنية الفلسطينية عبر الزج بهم في صراعات داخلية لتحقيق الحلم الصهيوني في الخلاص من الشعب الفلسطيني. ونبقى نحن عربا وفلسطينيين ننتظر الحل السحري للصراع الذي يتجدد يوميا مع دولة الاحتلال، في وقت لم يعد السكوت فيه عن خطورة ما يجري على ارض الواقع مقبولا، بل إن السكوت في حد ذاته في هذا الوقت تحديدا لا يمكن تفسيره إلا انه قبول بتلك المشاريع التوسعية التي يطرحها اليمين الإسرائيلي.
Jihad.almheisen@alghad.jo