هل جاءَالزمن الذي نترحم فيه على مافقدنا من قيم تصل إلى درجة القدسية؟، وكانت هذه بمثابة ثقافة جمعية تربت عليها أجيال ونشء وتوارثوها أزماناً طويله ،وظلت موضع التقديس المرتبط بالقيمة العليا التي تكاد أن تكون جزءا من الموروث الديني .
وهي بلا شك مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأديان السماوية التي ما جاءت إلاا لترسيخ الفضائل والأخلاق النبيلة، فكان الشرف مقدسا وكان التعليم والقائمون عليه وكل متعلاقته لها قدسية في نفوس الناس جميعاً، وحتى الذين لم يجلسوا على مقاعد الدرس والتعليم وما أكثر مافي الذاكرة الأردنية من قصص وحكايات من الواقع المعاش فيه! تجسيدا لهذه المعاني ما زال الأردنيون يتذاكرون تلك الأحداث والقصص بالحنين الكبير الذي ربما مرده إلى فقدانها نسبياً في حاضرنا وأصبحت جزءا من ذكرياتنا فقط.
و أجدني اليوم فيما أريد أن أنقله لكم مشدوهاً ومسكوناً بالحزن والأسف لتغير الحال والأحوال في مجمل العملية التعليمية والتربوية في زمننا الحاضر عما كانت عليه في بدايات الدولة الأردنية .
ومسرح القصة مدرسة الكرك الثانوية للبنين وبما يحمله هذا الاسم من احترام وتقدير يتجاوز منطقة الكرك وقراها إلى كثير من الأردنيين الذين كانت الكرك موئلاً علميا لمن مر بها وحل في رباها وهي دارإقامة؛ إذ تعلم فيها الكثيرون ومنهم رجال دولة واقتصاد وسياسة وشخصيات عامة من خارج الكرك الجغرافيا والديموغرافيا، وأما بعض الشخوص الذين ترتبط اسماؤهم بالقصة ف محمود سيف الدين الإيراني الشخصية الأدبية الفذة الذي كان مديراً لمدرسة الكرك آنذاك ،والمعلم حسن قعدان الذي كان مدرسا للصفوف الأساسيةوعبدالقادر فياض صبحا السبعيني راوي القصة، والذي كان حينها في الصف الثالث الابتدائي .
وأما الحكاية وبما تحوي من عبرة ورمزية تجسد قيمة التعليم وقدسيته، والمدرسة ونظرة المجتمع إليها فتتمثل وبحسب مايروي السيد عبدالقادر فياض صبحا أن ولي أمر أحد زملائه في الصف الثالث الابتدائي الأساسي كان قد حضر يوما إلى المدرسة لشأن يخص ابنه ودخل إلى الغرفة الصفية التي كان فيها المعلم حسن قعدان في حصة وما كان من الرجل إلا أن خلع حذاءهُ قبل الدخول إلى غرفة الصف وحين سأله المعلم حسن قعدان لماذا فعلت ذلكٌ؟ وأنه لا يلزمك أن تخلع حذاءك لتدخل غرفة الصف. أجابه الرجل الأمي القادم من قرية عينون في لواء الكرك أنذاك أن هذا المكان مقدس ويعني المدرسة والغرفة الصفية ويجب احترامه وتقديره ولعل ذلك يكفي عن كثير من الشرح والتفصيل حول قيمة التعليم التي كانت. وقيمة المعلم التي كانت وقيمة المدرسة التي كانت؟
ورفعة المخرج التعليمي التي كانت وقيمة الأجيال التي كانت صنيعة العملية التربوية متواضعة الإمكانيات إلا من الهمة العالية والعزيمة الصادقة والمثابرة الحثيثه التي أسست تلك القاعدة الصلبة لصروح علمية وأجيال متعلمة كانت هي الثروة الحقيقية والمخزون الاستراتيجي في بلد شحيح الموارد متواضع الإمكانيات.