صياغة الفكر الوطني الاردني
د.بكر خازر المجالي
02-12-2018 11:42 AM
ما بعد انتخابات عام 1989 التي كانت على اساس التعددية الحزبية مع الغاء الاحكام العرفية ، دخل الاردن في مرحلة جديدة بعد فك الارتباط مع الضفة الغربية ،واصبح الحديث عن كيفية الوصول الى حالة من التفكير الجديد في ضوء هذه المعطيات.
ما بعد انتخابات 89 نشط التيار الاسلامي بقوة ، ونشطت قوى المعارضة باشكالها العقائدية وغير ذلك ، كل هذا مقابل تيار وطني هو الاقل تأثيرا ،
وقد فطن الراحل الملك الحسين طيب الله ثراه لهذه الحالة ، ورأى ان هناك تشتت داخل المجتمع الاردني ، وان هناك محاولة لاختطاف الهوية الوطنية الاردنية ،او ان الاهتمام بالشأن الوطني يتراجع ، فكانت مبادرة جلالته بطرح الميثاق الوطني ،واعداد صياغته من 100 شخصية اردنية كانت هي لجنة الميثاق الوطني ، ثم ليكون هناك اجتماع حاشد بتاريخ 11 حزيران من عام 1991م في ستاد عمان الدولي وبحضور اكثر من 30الف مواطن ،وقد القى الحسين رحمه الله خطابا
شاملا حول ضرورة الميثاق الوطني ليكون مرجعية وطنية تجمع الجميع تحت مظلة الدستور .
ثم تطورت الاحداث خاصة في مسار السلام بدءا من مؤتمر مدريد ثم الى مفاوضات واشنطن وتوقيع معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية عام 1994م وتصديق مجلس النواب الاردني عليها .
لم نكن في حالة تسمح بان نتذكر الميثاق الوطني حينها ، وطغت الاتجاهات المتباينة حول معاهدة السلام على نمط التفكير ، ولم تعد الحالة الوطنية تحتل اولوية في الفكر الاردني ، بل كان هناك غياب للفكر الاردني ولم تعد له ملامح ولا حديث عن ابعاد التفكير واستراتيجياته ،بل ان مفهوم الفكر الاردني اصبح مغيبا ،
ونعيش هذه الايام حالات حرجة ودقيقة لغياب الفكر الوطني الاردني او مناقشة هذا المفهوم ، ولغياب التفكير بايجاد عقيدة وطنية اردنية تكون هي المرجع الفكري والوجداني الذي يتجاوز الحزبية والعقائدية ..
اصبحت السيادة هي للتفكير المادي وحسابات الارقام للدخل والاسعار والضرائب والتجارة وغيرها ..
وهنا لا بد من التفكير في منظومة فكرية وطنية ربما تتخذ شكل الميثاق او العقد الاجتماعي ، ونجد في الاوراق النقاشية لجلالة الملك عبدالله الثاني ما يسعفنا في هذا الاتجاه لان فيها توجهات لايجاد حالة من التفكير على قاعدة قد نختلف ولكن لا نفترق ، وفي طروحات سيادة القانون والدولة المدنية ما يشير الى ضرورة تطوير المنهج الفكري ليكون اكثر انفتاحا وبتعظيم القيم الوطنية .
والان ونحن في هذا المخاض في ظل التحديات الخطيرة من حولنا ومن داخلنا ، احوج ما نكون الى صياغة فكر وطني اردني من خلال مؤسسات المجتمع المدني وكل الهيئات الثقافية .. نريد تعريفا جريئا لمفردات الفكر الوطني الاردني ، نريد ان نقف عند حقيقة ان دولتنا قد مضى من عمرها مائة عام تقريبا ولم تصل بعد الى تكوين عقيدة وطنية فكرية على اساس مميزات مجتمعنا وتضحياته وثوابته ..ومن ثم التركيز على التربية والتعليم ودورها في اعداد الجيل الذي
يفكر في وطنه.
اننا بعد في حالة من الارتجال في تناول القضايا الوطنية ، ونلاحظ احيانا ظهور فكر وطني اردني يركز على تهديدات الهوية الوطنية ، واتجاهات اخرى تحذر من العقائديات المختلفة ،ولا يمكن تجاهل هذه الحالات بل يجب البناء عليها، ويجب ان نرى مؤسسات رسمية تتولى مثل هذه الصياغة الفكرية الوطنية التي يمكن ان نلتقي حولها ومنها نستطيع اشتقاق مفردات تفكيرنا واحداث حالة من الحوار الفكري الوطني الايجابي .
نأمل بعد مائة عام ان نصل الى حالة النضج في الفكر الجمعي الذي يرى الوطن هو الحاضنة لنا جميعا ،وان ندرك كيف نحافظ على الوطن ومنع اية اشكال من الترهات والتعديات التي في نتيجتها تعقيد الحالة الوطنية .