شؤون اللاجئين بين حب الله وحب الجّار
د.هشام المكانين العجارمة
01-12-2018 11:28 AM
تابعت بكل اعتزاز وفخر كما الاردنيين جميعاً كلمة جلالة الملك خلال تسلمه جائزة تمبلتون ٢٠١٨، فجلالة الملك كأول قائد سياسي يتسلم جائزة تمبلتون قد قدم منذ توليه سلطاته الدستورية في دولة الاعتدال والوسطية والتسامح والعيش المشترك مساهمات استثنائية في خدمة الأديان وتعزيز السلام إنطلاقاً من قول الله تعالى:( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون)، وإنطلاقاً من كون جلالته وريث الوصاية الهاشمية على القدس والمقدسات، إلى جانب خدمات عظيمة في رعاية اللاجئين على أرض المملكة منذ تأسيسها كان آخرها الخدمات التي قُدمت لحركات اللجوء السوري وقد تحملت الدولة برغم تحدياتها إزاء ذلك ضغوطات كبيرة وأعباء ثقيلة كانت على حساب أمنها وأمانها ومواردها الشحيحة، لكنه الواجب الذي فرضه الدين بمبادئه العظيمة والتي لخص بعضها جلالته بقوله: " في جوهر مبادىء ديني ( الإسلام ) حب الله وحب الجار" ولعل هذه المبادىء هي أعمدة الإيمان الحقيقي، وذلك يتضح بالنهج النبوي للنبي الأمي الأمين حينما قال عليه الصلاة والسلام: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يُحب لنفسه)، وقوله:( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره)، إضافة لقناعات كبيرة في فِكر جلالته عبر عنها سابقاً خلال حفل تسلم جلالته جائزة وستفاليا للسلام حينما قال: " والحقيقة أنه إن عجزت الدول المضيفة في الإقليم عن أداء دورها، فهذا لا يعني أن عبء اللاجئين سيختفي، بل إنه سيتحول ببساطة إلى مكان آخر. إننا نواجه أزمة عالمية تتطلب العمل الدولي المشترك، وتقاسم الأعباء، ودعم المجتمعات المحلية المضيفة واللاجئين على حد سواء" وأضاف أيضاً " إن القيمة الدينية والأخلاقية التي تحثنا على حب جيراننا هي الموجِّهُ لمسؤوليتنا العالمية".
إن تلك المسؤوليات التي فرض جلالته على نفسه حمل أوزارها ماهي إلّا إرضاء لله قبل أن تكون إرضاءً للأصدقاء ولعل هذا جوهر الإيمان والإسلام، وهذا ما أكده جلالته بقوله في خطابه الأخير:" ونحن نسعى ونعمل في كل قارة للدفاع عن الإسلام ضد أقلية هامشية لكنها خبيثة وحاقدة تستغل ديننا لأغراضها الخاصة وغايتنا في ذلك ليست رضا أصدقائنا أو رضا العالم بل غايتنا رضا الله، وسنستمر في هذا الجهد ما حيينا ومادام الإيمان عامراً في قلوبنا إن شاء الله". إن هذا الايمان بما فيه من توصية بالجار لهو أمر إلهي شُرِع في جميع الديانات، وهذا ما أشار له جلالته بقوله:"فوصيتنا حب الله وحب الجار نجدها مراراً وتكراراً في اليهودية والمسيحية والإسلام والديانات الأخرى حول العالم، إن هاتين الوصيتين تبعثان رسالة عميقة إلى كل واحد فينا، تدعوه إلى الخروج من دائرة الأنا وتجاوز مصالحنا الخاصة الضيقة وهذه البصيرة المنفتحة هي مصدر الوئام بين الجميع والأمل باستمراره".
وفي ضوء ما سبق، لا غرابة أن تتجه الأنظار لجلالته لأن يكون فارس الجائزة لعام ٢٠١٨ والذي لم يسبقه لنيلها أي زعيم سياسي منذ إنطلاقها، هذه الجائزة التي ارتكزت على ثوابت عديدة منذ انطلاقها أهمها: إعادة الاعتبار للدين من منطلق أن الدين على اختلافه في خدمة الانسان، وتكريم من قدّم اسهامات استثنائية في خدمة الأديان وخدمة الانسانية ولعل جانب رعاية اللاجئين أهمها.
ولأن الاهتمام باللاجئين أحد أهم الخدمات الإنسانية التي يسعها جلالته للعمل على رعايتها - والتي لأجلها ولإسهامات أخرى مُنح جلالته الجائزة- فإن الدولة الاردنية بمؤسساتها المختلفة أخذت من اهتمام جلالته منهج عمل فسمحت للمنظمات الدولية المعنية بالإغاثة تقديم خدماتها، بل أوجدت المؤسسات التي تدعم خدمة اللاجئين، ولعل من أهم تلك المؤسسات ما يرتبط بمؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية ودورها في التشبيك مع المنظمات والهيئات الدولية.
ولذلك أخذت الجامعة الهاشمية - كأحدى أعرق الجامعات الأردنية - على عاتقها إيجاد مركز يُعنى بدرسات شؤون اللاجئين، تتوجه الأنظار لأن يكون هذا المركز مبادراً ومشاركاً ومنتمياً وملتزماً بالقيم الإنسانية والعلمية يسعى لبناء الفكر والنهوض بالوعي والقيام بدور فاعل واستراتيجي لخدمة المجتمعات المهجرة والدولة الاردنية المستضيفة وذلك بترسيخ الفهم العميق بواقع اللجوء وتداعياته وتجذير ثقافة العمل الإنساني والفكري والتنموي والبحثي وتوجيهه للإسهام في خلق شراكة حقيقية وفاعلة مع مؤسسات المجتمع والمنظمات المحلية والدولية لمناصرة ودعم الجهود الإنسانية الهادفة لحماية اللاجئين والنازحين والمهجرين قسرياً وتمكينهم.
ختاماً
وإزاء استلام جلالته للجائزة يثبت جلالته كعادته أنه أهل لحمل المسؤولية والجائزة، فالجائزة التي شُرعت لتقدير من يخدم الاديان قدّر بها جلالته الأديان والمقدسات فتبرع بها للقدس محور الأديان منذ الخليقة ولأعمال الإغاثة الإنسانية.
نهاية تبقى الشواهد أنبل دوافع الكتابة.
حفظ الله الأردن أرضاً وقيادةً وشعبا