سالة الى عمرو بن كلثوم
وثنيات(٦)
من العصر الجاهلي الحديث الى عهد الجاهلية العربية.. و شتّان بينهما..
يا أخا العرب :
أحيّيك بتحية الجاهليتين ... و أمّا ما بينهما خمسة عشر قرنٍ بلغنا بها السماء ... فهي ليست لي و ليست لك .. فلنسقطْها من الزمن لعلنا نتقارب قليلا .. فما بين أوثانكم و أوثاننا فرقٌ بسيط ..مع قناعتي أنك كفرتَ بأوثانكم لأنّ سيفَك كان تحت أمرِك لا أمرِها ، لذلك رأيناك حراً ، أما و قد عُلّقتْ قصيدتك على جدار الكعبة فقد بلغتْ العرب بعدك و رأوْا فخركم و شجاعتكم في جاهليتكم ، و لربما أُطلق عليها وصف (الجاهلية )لأنّ نور الاسلام حين جاء بعدها كشف سوءآتها، أمّا نحن الْيَوْمَ فأروي لك حالنا :
أتذكرُ حين قلتَ لها اصبحينا
و لا تبقي خمور الأندرينا
و تذكرُ حين عايرَكَ ابْنُ هندٍ
فأصدرتَ السيوف و قد رُوينا
الا يا عمرو أخبرْ آلَ تغلب
و أعراباً مضوا في الغابرينا
بأن العُرب صاروا كالأضاحي
و أضعف خلق ربي تزدرينا
فقد جهلوا جميعهمُ علينا
و لم نجهلْ كجهل الجاهلينا
و لكنْ جهلنا قد صارَ حزناً
و خَيل القوم لم ترحم حزيناً
و لا زلنا على الأوثان نجثو
كأصنام القرون الاوّلينا
فأصنام لنا شحمٌ و لحمٌ
و كانت عندكم تمراً و طينا
جهالتكم تهذبها الشجاعة
و إنَّا في جهالتنا عمينا
أتذكرُ حين حاربتمْ ملوكاً
لجيشِ الروم كانوا تابعينا
مناذرةً و أتباعاً و تُبّع
بفعل سيوفكم صاروا طحينا
و أمّا الْيَوْمَ فالأحوال صارت
الى ما لا يسرّ الناظرينا
مرابطُ خيلِكمْ صارت مداساً
لعلج الروم فيها ألفُ مينا
فلسنا من علوم الدهر شيئا
و ليسَ لنا بحاضرها سنينا
و ليس لنا بما نرويه عنّا
معلّقةً و لا علماً يقينا
تسابقت الشعوب مع الزمان
وأمّا نحن قد عدنا قرونا
و لا زلنا على الاطلال نبكي
كأنّا في جهالتنا ابتُلينا