في العلاقة الأردنية- السورية
عمر الرداد
30-11-2018 12:24 PM
تفاعلت غالبية الأردنيين مع القرار الأردني السوري المشترك بفتح الحدود بين الجانبين من خلال معبر جابر- نصيب،بايجابية عالية،واندفع الأردنيون الى سوريا في تعبيرعن فرحتهم بفك الحصار الاختياري الذي فرضه الأردن في مرحلة فقدت فيها الحكومة السورية سلطتها على الحدود، فيما انخفضت مستويات التهديد الإرهابي في الجنوب السوري،والتي كانت السبب الرئيس في قرار إغلاق الحدود ،في إطار موازنة بين الأمن والاقتصاد.
وخلال أكثر من شهر من فتح الحدود،يزداد مستوى الاندفاع لدى الأردنيين تجاه سوريا ،فبعد الزيارات الفردية والجماعية للمواطنين الأردنيين،وإعلانات شركات السياحة عن تسيير رحلات الى سوريا،وبأسعار رمزية،يتوقع ان تقابل بتفاعل لأسباب اقتصادية مرتبطة بالفروقات الهائلة للأسعار بين البلدين،بدا تنظيم زيارات لمؤسسات مختلفة من بينها بعض النقابات المهنية ،وتكللت بزيارة وفد نيابي ،ترأسه النائب المخضرم عبد الكريم الدغمي، والتقى مع الرئيس الأسد،الذي أكد ان سوريا تنظر الى الإمام وتتطلع لتجاوز الماضي ،في إشارة لاتهامات توجه للأردن بعدم وقوفه الى جانب الحكومة السورية خلال الأزمة السورية في بعض مراحلها.
الانفتاح على سوريا من قبل الأردن،يتم التعاطي معه من قبل ثلاثة أطراف سياسيا وشعبيا، الأول وتمثله الحكومة التي حسمت أمرها انسجاما مع الاتجاه الدولي"الأمريكي والروسي" الذي توافق على ان "إسقاط" النظام السوري لم يعد هدفا، وان العالم قرر التعامل مع القيادة السورية،والمشاركة بجهود التوصل الى حلول سياسية وليست عسكرية،وان للأردن وسوريا مصلحة في استعادة العلاقات الاقتصادية والسياسية،والثاني : وتمثله أحزاب واتجاهات وشخصيات قومية ويسارية،تعتقد بضرورة التسريع في إعادة العلاقات مع سوريا،باعتبار ان سوريا أنجزت انتصارا كاملا على القوى الإرهابية ،والدول الداعمة لها،وان مصلحة الأردن ببناء تحالف مع سوريا،يوفر للأردن أرضية مناسبة للدفاع عن مصالحه،في ظل ما يتم التخطيط له في المنطقة من قبل أمريكا وإسرائيل،بالتعاون مع قوى إقليمية وعربية،فيما الطرف الثالث،ويمثله الإسلام السياسي وقوى وشخصيات تتقاطع معه،أعلنت رفضها لأي انفتاح أردني رسميا او شعبيا على سوريا،بحكم انحيازها لتحالف عربي وإسلامي، اتخذ موقفا من النظام السوري وعمل بكل السبل لإسقاطه
مواقف الإطراف الثلاثة عمليا لا جديد فيها،وهي امتداد لمواقف تم تجسيدها منذ بدء الأزمة في سوريا أوائل عام 2011،وربما الجديد فيها مظهران وهما :موقف الحكومة وجوهره الانفتاح بهدوء على الحكومة السورية،لأسباب سياسية واقتصادية،في ظل البحث عن حلول للازمة الاقتصادية الخانقة،والرأي العام الأردني التي تتطلع غالبيته لانفتاح على سوريا،بما يحقق انفراجة بالأزمة الاقتصادية،فيما تبدو تيارات الإسلام السياسي بمواقف معزولة ،في مطالباتها باستمرار إغلاق الحدود، والتحذير من الانفتاح سياسيا على سوريا،ويبدو انه في الوقت الذي تنظر فيه الحكومة لتحقيق مصالحها ببراغماتية،والاستجابة للمتغيرات الإقليمية والدولية،فان التيارين المطالبين بالاندفاع نحو التحالف مع سوريا او مقاطعتها،ليس من بين مرجعية مواقفهما مصالح الأردن،بل خدمة أجندات لتحالفات في المنطقة،تقف مع او ضد سوريا.
ربما غاب عن المطالبين بانفتاح أردني متسارع على سوريا او المطالبين بمقاطعة سوريا واتخاذ موقف من الحكومة السورية،ان القرار سوريا كما هو أردنيا،مرتبط بتوازنات دولية وإقليمية،بعد تدويل القضية السورية،وان استقرار سوريا ليس مرتبطا فقط بالاعتراف بسيادة الحكومة السورية على أراضي الدولة السورية،فهناك ملفات كثيرة بحاجة لحلول، منها ما يرتبط بإعادة الأعمار وحل قضايا اللاجئين السوريين، والإرهاب،وتواجد القوات الأجنبية،إضافة لصياغة دستور سوري جديد،حتى وان كان حل تلك الملفات باعتراف دولي ان الحكومة السورية احد الأطراف فيها.
الأردن الذي أنجز اتفاقا مع أمريكا وروسيا حول مناطق الجنوب السوري ،تم خلاله حقن الدم السوري ،يدرك انه بالرغم من هوامش المناورة المتاحة لتحقيق مزيد من الانفتاح على الحكومة السورية،وبما يحقق مصالحه،لا يستطيع المضي قدما بعيدا عن التوافق الأمريكي الروسي حول سوريا،رغم إمكانية اتخاذ قرارات متعاكسة مع بعض القرارات العربية والدولية ،كرفضه لقطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا،فرغم الضغوط بقيت السفارتان الأردنية في دمشق والسورية في عمان تعملان حتى اللحظة.
إن أكثر ما يحتاجه السوريون والأردنيون اليوم ترجمة خطابات حسن النوايا المتبادلة الى أفعال،في ظل استمرار أصوات تنادي بالانتقام من الأردن في أوساط سورية،وأصوات أردنية ، تطالب برفض الانفتاح على سوريا،وإدراك ان علاقة "دافئة"بين الجانبين فيه مصلحة لكليهما.