الصمـت ُقد يقولُ كلمتَـــــه!
سليمان الطعاني
29-11-2018 07:54 PM
تأتي عليكَ لحظات في الحياة، يكفيك فيها أن تحمل جسدك على كاهلك وتمضي غير مودّع، فلعلّك أصبحتَ ثقيلاً يا صاح على قلوب أشخاص تحبّهم وكان جُلّ همّك إسعادهم، لحظات تقفُ فيها عاجزاً أمام خسرانك النبيل لأغلى ما تملك، لا تنتمي إلى أحد ولا تنتمي الى مكان باسمه ولا شعرتَ يوماً أنك تنتمي إلى هذا الزمان، مصابك يلوثه حبّك وحنينك ووفاؤك!
مُذ عرفتُك يا صاح والألم يسكن جسدك وسنوات القحط والضياع تلتهمك، تعصرك المواقف، تتجرع الوحدة والكآبة وحدَكَ مستمتعاً بأوهامك، لا ضير عزيزي فلقد أجبرتك الحياة ان تتعرّف على هيئات بشر كانوا بمثابة دروس في الخيبات دفعتَ ثمنها غالياً.
انت يا صاح لا تشبه ذلك الانسان الذي خططتَ لبنائه عبر السنين، انتهى شغفك بالحياة فجأة، تساوى بنظرك كل شيء دون استثناء، رغبتك بالرحيل تكبر يوماً بعد يوم... أراك عصيّ الدمع تسقط وحدك وتعاني وحدك وتقاوم وحدك وتنهض وحدك، وفي لحظة جحيمية مستغلين بياض النوايا داخلك يقولون لك نحنُ صنعناك وكنتُ أراك تصدّق!
يا له من خذلانٍ لم أتوقعه لك، وحزنٍ أعمق من أحلامك التي لم يتحقق منها شيء وحياة باهتة لم تختارها! أأنتَ مبتذَلٌ يا صديقي الى هذا الحد؟ ما هذه القوقعة التي تلتهمك دون رحمة ومن أين لك شهية مبتورة الحواس كتلك التي تغزوك؟
بأي ذنبٍ خُذِلتَ يا صديقي؟ أعرف أنك لم تطلب السعادة بحذافيرها، فأنت فقط تريد جرعة أقل من الألم! جرعة أقل من الملل فالوحدة بلغت ذروتها والجحود فاق كل التوقعات! أتعبك قلبك لأنك صادق وبريء أكثر من اللازم لا ذنب لك سوى أنك صادق وتظن أنك ثمينٌ مكينٌ لديهم. حدثتَهم عن أحلامك العميقة وأخرجتَ لهم محارات روحك ولآلئ نواياك دون أن ترتدي أية أقنعة ظناً منك أن الصدق والنقاء يكفي، عتابك أخرس وانتظارك لا يجيد الحديث... ولا تسأل على ذلك أجراً.
بأي ذنبٍ خذلتَ يا صديقي؟ أعرفُ أن قلبك كان يقف عكازاً لأحزانهم! لطالما توكأوا عليه ولطالما قام قلبكَ بترميمهم مراراً وتكراراً، أعرفُك لا تجيد فنون الإيذاء ولا خطط الرحيل ولا حيل التخلي، أعرفُك لا تنقض عهداً ولا تنكر وداً ولا تخون وعداً.... بأي ذنبٍ خُذِلتَ؟ توقعاتك على ما يبدو كانت عالية فوق المستوى وتمرّدك أعلى، تحاول أن تطير إلى أعشاش الفرح الغامر والأماني الجميلة، فجاءك الخذلان من حيث لا تدري!
لا أتوقع منك أن تُحِبّ مجدداً يا صديقي، فالأجدر بك أن تمضي وحيداً خيرٌ لك من أن تتشبثَ بيدٍ تخونك في منتصف الطريق! فإني أرى بداخلك الآن صحراء يتشعب فيها الإحباط والقنوط ذابت أشياؤك فيها واختفت تفاصيلك وخَبَت مشاعرك وانطفأت شهوتك وضاع كلّ شيء، لم يبقَ من الضحكات عندك غير صدى بعيد كأنه ذكرى غائرة لشيء لم يكن، وكأن تلك الأيام بتفاصيلها وأحاديثها وشجوها ونجوها لم تكن!
لقد تاهت خطاكَ أمام ناظريك وانسابت أيام عمرك من بين يديك وفاتتكَ الأماني، وعلى رصيفِ الأمسِ أراكَ تعيد ترتيب ذاكرتك وتدلل عليها لتبيعها على المارّة، وأنت تدفع ثمنها! ثمن أشياء أمضيتَ حياتَك تدافع عنها ما حظيتَ بها أبداً، ثمن خيباتٍ متتالية تكدّست في أعماق روحك قد يقولُ الصمتُ فيها كلمته الفصل يوماً ما وبصوتٍ مُدوٍ!