الرزاز المثقف أم الرزاز السياسي؟
د.مهند مبيضين
29-11-2018 12:32 AM
التقى دولة رئيس الوزراء جمعاً واسعاً من المثقفين، بدعوة مقدرة من وزارة الثقافة، للوهلة الأولى أدرك الرجل أن من يتحدث إليهم نخب ثقافية، لا دخل لها بأي مشروع عطاء او لم يمثلوا في اي موقع حكومي، ولم يكن لاحدهم مسؤولية في الإخفاق الذي نحن به اليوم، لكنهم على قدر كبير من السياسة ويعرفون العلل ومواطن الضعف وعوارض غياب العدل وشيوع اللاأخلاق وسط بعض الساسة.
ذهب الرئيس للحديث عن مشروع النهضة الوطني، أعاد كلاماً مهماً، بأنه لا يريد تجديد الثقة، وأن الثقة السائدة في مجتمعاتنا الشرقية ذات صفة أبوية ومطلقة، داعياً إلى ثقة بثوب جديد مبنية على الشفافية والعدالة وسيادة القانون.
في رأس الرجل أخلاق، ونبل كبير، وفي مواجهة ذلك ثمة واقع مأزوم ومجتمع يبحث في الرزاز عن انتصار ولو كان أخلاقياً، فالناس يرون الرئيس قد جاء من خارج الصندوق المتكرر في الخيارات الوطنية للحكومات، هنا يتحدثون عن مسيرته وعن بيته السياسي المثقف الذي نشأ به، والرجل كلما ذكّره احد بهذه النشأة المحترمة بين الناس، تعاظمت مسؤوليته وشعر بالحرج وربما الخوف بان لا يكون وفياً لما نشأ به.
البسطاء من الناس ربما غير معنيين بالحديث عن دولة الرفاه والريع، والمثقفون الذين واجهوا الرزاز بلقائه الطيب المغزى، كشفوا عن حاجات مناطقهم الثقافية وعن مطالبة بعودة الهمّ الثقافي لرأس السياسة في الدولة، وهذا يأتي في زمن انتصر فيه السياسي على الثقافي منذ عقدين من الزمن، حيث انهار المشروع الثقافي في الزمن الليبرالي.
جاء الرزاز للمثقفين ولم يعلن ثورته على الفساد، لكنه أكدّ على أنه ثائر من ذات الطبقة التي ينتمون إليها، وأنه ماضٍ بحرب الفساد ولكن بعقلانية ودون أن ترتبط باشخاص مطلوبين او قضايا مرحلية، هنا كان علينا ان نتذكر بأن الرجل مسّ شئياً مهما بحكومته وهو قانون الإدارة العامة، الذي لا شك أنه عمل مهم ويسجل له، كونه أول الخطوات لتحسين وضع الإدارة العامة ومعالجة خللها الكبير.
خرج الرزاز، من مجلس المثقفين مظهراً الكثير من الاحترام، لا متطهراً من فريضة الحوار وواعداً بالمزيد منه، مع وجود وزير ثقافة لديه الكثير من الأخلاق والمعرفة وشعور بحرج مماثل لما نحن عليه من خيبات.
خرج الرزاز السياسي بعد حوار امتدّ لساعتين، وظل بين المثقفين في خانتهم ومعهم يتحدثون بضرروة منحه الفرصة، مبدياً المزيد من الانفتاح، ومتعهداً بالعمل الوطني، لأجل مستقبل الأردنيين لا لأجل مصالح طبقة ما، لكن التحديات الكبيرة التي سوف تمثل أمامه بصيغة ماذا بعد قانون الضريبة؟.
فهل ستعطيه «التجربة المرة» للأردنيين مع الحكومات من الوقت والقدرة على تنفيذ مشروعه؟ ذلك هو السؤال الصعب في وقت بدأ الناس يعودون به لتاريخ أسرته النبيل، كي يذكروه بالحفاظ عليه ولا يتورط بعكس مبادئه؛ لأنه بالـتأكيد سيحارب من قبل من لا يرون معه امكانية للرشوة او تلبية مصالحهم، هنا سيكون عمر الرزاز عنوان صدق وحالة ثورية بيضاء ضد ثورة مضادة.
بين رزّازين، كان مجلس المثقفين، الرجل العارف باهمية أهل الفكر والخراب الذي أصاب البلد، والرجل الغارق بثقل المسؤولية والمالك للرؤية، لكنه مع ذلك، كان داعياً للتفاؤل، وطالب بعدوى الأمل بالأفضل كي تصيب الجميع.
الدستور