آمل اليوم أن تلامس هذه المقالة روح كل قارئ لها؛ فهي تتجه صوب ذلك الركن المهجور المُلقى هناك في حنايا الضلوع، هذا الجزء الذي يُخفي وراءه سلوكا تتجانس فيه جميع القيم التي نادت بها الديانات السماوية وأقرها العقل الإنساني السوي، هو يسكن داخل كل كائن بشري.. ورغم أنه قد يكون غير مدركٍ لأثره، إلا أنه من المستحيل تجاهل وجوده.
هذا السلوك الذي استهواني للحديث عنه.. لا يمكن أن يكون إلا "الإنسانية"، نعم .. إنه ذلك الإحساس المُغيّب الذي ننكر حقيقته وأحقية صدارته في كل أحداثنا اليومية وحتى اللحظية، هذا الإحساس يجبرنا أن ننساق وراء عظمته حيث يغلب فيه الإحسان الإساءة وتتغلب فيه الرحمة على الانتقام وتسود فيه المحبة دون الكره ويتربع من خلاله الحلم مكان الغضب ويحل فيه التسامح بدلا من الثأر.
"الإنسانية" باختصار.. هي ذلك الشيء المحسوس الذي يقود العالم بكل أطيافه نحو الحرية والسلام والأمان، وكل القيم الأخرى التي تبحث عنها المنظمات في دول العالم كافة، وينفقون أثمن ما يملكون لتحقيق جزء منها؛ متجاهلين تماما وبكل بساطة أن كل ما يسعون إليه يختبئ وراء هذا الإحساس فقط، فإن وُجد تحقق معظم ما نبحث عنه وإن فُقد خسرنا كل شيء.
كلماتي هذه، أخاطب فيها تلك الشريحة التي لا تعي أبدا معنى الغضب العقيم الذي لا ينجب حقدا، وإلى تلك العينة من البشر التي لا تدرك قيمة رفق اللسان في تليين المواقف وتغيير مسارها، بل أقصد فيها من لا مكان في قلبه لذلك الذي يسمونه "بالخلق النبيل"؛ الذي لا حدود توقفه .. ولا جشع يحكمه.. ولا وحشية أو رغبه بالبذخ تردعه.
لدي أكثر من الكثير في هذا الحديث.. ولكنني مضطرة أن أتوقف هنا وأكمل معكم لاحقا، بيْد أنني قبل أن أنهي أود أن أخبركم بمختصر عميق أقول فيه "على سبيل الاستمرارية في هذا العالم الغريب؛ فلسنا بحاجة إلّا لقلب منطوٍ على قلب أخيه، وروح تتلوّى وجعا على طفل بريء، ورحمة تجرف كل قسوة في الطريق.. بل وابتسامة تقتلع الألم وترمي بشباك الأمل في وجه غريق".
لو استطعنا أن نطلق العنان لإنسانيتنا في هذه الأشياء فقط .. فثقوا تماما أننا سنكون بألف خير مما نتمنى، وكنت قد قرنتها بـ "الوتين" متعمدةً وهو عِرْقٌ في القلب إذا انقطع مات صاحبه؛ وكذلك هي "الإنسانية" إذا فقدناها فلا قيمة أو لذة للحياة بانعدامها.