لكل وطنٍ رجاله شهداء وأحياء، يبسطون قلوبَهم على عشاقهم حبا أبديا كأجنحة النوارس ، يظللون أكفَهم بأدعية النهارات المعتقة بابتهالات الأمهات اللواتي ثكلن وصفي ذات زمن أردني حزين لفَّه أوجاعُ السنابل التي تنحنى رؤوسها حزنا ألّا تجدَ مَنْ يحنو على تربتها بعد وصفي .
وصفي أيها الرحيلُ المرُّ
أيها الطالعُ في زمنِ الصاعدين إليك
أيها الصاعدُ من الوجع إلى منتهاه
وصفي أيها العاشقُ المعشوق
والفاتن المفتون ، الوجد واللاوجد والواجد والموجود
أيها الحبيبُ والشاهدُ والمشهود
بوح الكلماتِ تسافر غيْما قُطْنيَّا ناعمًا
يلُفُّ ذكراكَ رنينُها وزفيرُها وشهيقُها
أيها القمرُ المطلُّ على بداياتِ صلاتنا أو نهاياتِ عتمتنا
وحدنا كنَّـا لكنَّكَ كنتَنَا ذات عبور إلى ذاك المدى المتخمِ بالجوع والطَّفَرالذي حدَّ أسنَّـتَه وصوَّبَها نحو خُـطانا وما في الطريق من قتاد وشوك ودُفلى.
أيها النشيد الأردني والنشيجُ الذي أتعب لفحَ النُّـواح على ذكراك، لك وحدك هذا الفرحُ وما تبقَّى في أرواحنا من صدْح رخيم .
في ذكراك تراتيلُ عشاقك تنشُجُ مزاميرَ صلواتها لتبقيك في محرابها سيدا وحصورا ومن الخالدين.
على الرموشِ ظلالُها وفي العيون السودِ رفيفها .
آهِ من نوارس البحر وأنت سيدها ودليلها وهاديها حينما تغادرُ شطآنها ، ومن الأصيل حينما يغادرُ إلى شفقِ الغروبِ ، ومن الخيطِ الأبيض حينما يغشاه خِلْسَة خيطٌ أسودُ قد أتى ذاتَ عشاء من ظلمات السراب .
آهِ من الحب حينما يكونُ موْجًا يتفجَّرُ دمعًا في عيون الرجالِ ، حينما يكون عصًا تُضْرَبُ بالقلوب فتنسكبُ نهاراتُ وصفي على خدِّ الياسمين وعلى ناصيةِ الأرض وعلى وجوه المتعبين بعشقك أيها الحاملُ عبء الأرض .
وأنت وحدكَ تجتاز المنافي لتلتقي عشاقك وفي وجوههم صورتك اللانهاية ممتشقا أردنيةً طاهرةً فاقعًا طُهْرُهَا .
وحدك العاشقُ والمعشوقُ ، أيها الوصفي أيامكَ تمضي زنابقَ ورد على عشقكَ أردنيا حتى النفس الأخير وحتى الرصاصة التي سقطت في قلبك النازف وجرح أبيك الذي سال جراحا وكلما داويتما قلبيكما ازداد الوجع ففيهما أوجاعنا كلها .
سلام على وصفي في ذكرى غيابه وعلى بهائه وعلى الرجولة حينما تكون في الأرض جذعَ زيتونة وفي السماء صقرا بحجم وصفي ، وسلام على عشاقه يوم يلقونَه زكية دماؤه تحت ظل عرش ربه.