Black Friday .. الجمعة السوداء
لارا مصطفى صالح
28-11-2018 12:41 AM
مضى زمن طويل على آخر مرة فكرت فيها بشراء ملابس. ليست القناعة هي السبب بالمناسبة، إذ لا قناعة لدى النساء خصوصا إذا ما تعلق الأمر بالتسوق وشراء الملابس. ولا أظنه اضطرابا في الهرمونات. قد تكون حالة اكتئاب، مشهد السماء المطرزة بغيوم سوداء وحده يقبض الروح.
- اليوم هو الأخير في عروض Black Friday. قالت صديقتي.
- طيب!
- طيب ماذا، ألا ترغبين في الخروج للتسوق؟
- لا.
- باستهجان، ألا ترغبين في شراء شيء ما؟
- شيء ما! لا، لا رغبة لدي لشراء شيء ما! ولا للخروج ولا للبقاء في المنزل أيضا!
- ثمة الكثير لنفعله هناك للتسلية، قد تجدين شيئا للأولاد قالت. وأردفت على الفور، أنا يقتلني الملل، وضغط امتحانات الأولاد وأعباء المنزل وقد أترك عملي.. إلخ، بالغت في وصف حالتها وكأنني أتوق لسماعها! صديقتي بالمناسبة ممثلة بارعة إذا ما تعلق الأمر بحصولها على مرادها، وهي جيدة إلى حد كبير في تجسيد دور الضحية. حتى أنني خلتها في تلك اللحظة المطربة "سعاد عبدالله" وهي تغني (أنا المسيكينة أنا... أنا المظيليمة أنا...).
وصلنا إلى المول، دخلنا عدة محلات وانتهى بنا المطاف في محل أحذية رياضية، اخترت حذاء لابنتي تاليا بينما ظلت صديقتي حائرة غير مستقرة، حملت بين يديها خمسة أحذية، وضعتها جميعها على أحد الرفوف ووقفت أمامها، تارة تقترب وتارة تبتعد، تضع سبابتها على فمها، تفكر ثم تأتي لتسألني عن رأيي!
- قلت لها، وقد بدأت أشعر بالدم يتدفق سريعا في دماغي: كلها جيدة.
- ردت: اختاري لي واحدا.
- سوف آخذ دورا للدفع. فالأمر أشبه بخوض غمار مواجهة عنيفة... اختاري لنفسك واحداً واتبعيني... المحل يكاد يتقيأ ما فيه من شدة الإزدحام. قلت.
تبعتني، ووقفنا بالدور، نظرت للناس أمامنا، وقالت: يا الله! متى سينتهي هذا الطوفان؟
تأملت الطوفان كما أسمته... كل واحد منهم هو جزء من حكاية ما! أجبت.
- قالت باستخفاف: صبر جميل. فآجلا أم عاجلا سيأتي دورنا، وقد يسعفك الحظ فتستمعين إلى حكاية ما!
- نظرت إليها من زاوية عيني، وقلت: في الحقيقة، لا مانع لدي أن أقضي بحادث سيارة أو بمرض عضال أو حتى وأنا نائمة بلا سبب منطقي، أما أن أقضي بجلطة بانتظار دوري لأتمكن من دفع ثمن حذاء؟! فهذا لعمري الجنون بكل معانيه. ثم إن تاليا ليست بحاجة لهذا الحذاء!
- ضحكت وقالت لي: نظرتي لك بدأت تختلف يا صديقتي، أنت مجنونة!
- بعد كل هذه السنوات في هذا الكون الفسيح اختلفت نظرتنا لأمور عدة، للحياة نفسها، للموت، للفرح، للحزن، للقوانين، للعادات، للعلاقات، للحلال وللحرام، للعمر، للدين حتى نظرتنا للخالق هي أيضا أمست مختلفة. وبعد عشرتك مع شخص ما لفترة طويلة، من الطبيعي أن تكتشفي في طباعه غرابة أو سخافة أو خروجا عن العادي. فلا عجب أن تختلف نظرتك لي يا صديقتي.
وضعت الحذاء على رف قريب، وهممت بالمغادرة، كل ما كنت أفكر فيه في تلك اللحظة بعضا من الهواء.
لحق بي أحد الموظفين في المحل، أولم يعجبك الحذاء يا سيدتي؟ سألني بلطف.
- لا..أجبت.
- لكنك تضيعين الفرصة.. الأسعار في هذا اليوم لن تتكرر. ألن تفكري بشراء شيء آخر؟ قال بابتسامة مصطنعة.
- بلى... أجبت... أريد بعضا من الهواء... هل تبيعون الهواء هنا؟
- تلاشت ابتسامته وقال بنبرة راوحت بين الحيرة والقلق: أتمنى لك ليلة جيدة يا سيدتي.
لا أعرف ما الذي يدفعنا لتسمية كل شخص نعرفه -من غير الأقارب- بالصديق؟ ولا أعرف من ذا الذي أعطاها -الجمعة- اسم Black Friday؟ لكنه يلائمها... حقا!