بعد جولات شاقة من المفاوضات استمرت لأكثر من ثمانية عشرة شهرا، صادق قادة دول الإتحاد الأوروبي في بروكسل على اتفاقية خروج بريطانيا من الإتحاد، وذلك بعد تراجع اسبانيا عن مخاوف تتعلق بجبل طارق، ويقتضي ان يصادق البرلمان البريطاني على اتفاقية الخروج حتى تصبح سارية المفعول، وهي مهمة ليست سهلة على رئيسة الوزراء تريزا ماي في مواجهة النواب المعارضين لبنود الأتفاق.
وشكل جبل طارق عقدة الخلاف الأخيرة أمام توقيع الإتحاد الاوروبي لاتفاق الإنفصال مع بريطانيا، ومحطة خلاف بين لندن ومدريد، التي تطالب بالسيادة عليه، هذه المنطقة الصغيرة قد تغادر ايضا الاتحاد الأوروبي مع خروج بريطانيا منه في ربيع العام القادم.
بريطانيا لها حدود مشتركة مع اسبانيا وقريبة من المغرب على سواحل المتوسط، هذا بفضل مضيق جبل طارق الواقع تحت السيادة البريطانية باعتباره من بقايا الإرث الأستعماري البريطاني مثل عدة مناطق اخرى حول العالم. قضية جبل طارق اتخذت تحولا آخر بعد سيطرة المسلمين عليه وحمل اسم القائد العربي طارق بن زياد، لكن بعد سقوط الأندلس سيطرت اسبانيا على المضيق وضمت جبل طارق، ثم تنازلت عنه رسميا بعد ان استولت عليه بريطانيا عام 1713.
عندها بدأ التحكم البريطاني في الممر الوحيد بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، ومدخل بريطانيا لمستعمراتها في آسيا وشرق افريقيا من خلال قناة السويس، اليوم يتمتع جبل طارق بحكم ذاتي، في معظم شؤونه ويعتبر موقعا عسكريا مهما لبريطانيا ولحلف شمال الأطلسي.
ونظرا لأهيته الإستراتيجية فهو ما زال محل جدل تجدد مع خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، حكومتا بريطانيا وجبل طارق تتمسكان بالسيادة البريطانية عليه، لكن اسبانيا مدعومة من اطراف اوروبية اخرى مصممة على ان تكون طرفا فيه.
وراء الجبل الهادئ تاريخ طويل من النزاع الناعم بين لندن ومدريد، فكل من الدولتين تريد المنطقة تابعة لسيادتها، وعلى هذا الأساس يستمران منذ سنوات طويلة خصوصا إبان حكم الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو رئيس اسبانيا الأسبق، الذي اعاد منذ خمسينيات القرن المنصرم حلم اسبانيا في الجبل مخالفا في ذلك تخلي مدريد عن جبل طارق لبريطانيا عام 1713.
اشتعل النزاع بعد ذلك على سيادة الجبل بعد قرار انسحاب بريطانيا من الإتحاد الأوروبي (البريكست) وتحديدا خلال مباشرتها للمفاوضات مع الإتحاد الذي اشترط موافقة اسبانيا وبريطانيا معا على أي اتفاق يتعلق بجبل طارق بعد انسحاب بريطانيا بشكل نهائي من الإتحاد.
وقد سبق لسكان جبل طارق ان رفضوا في استفتاء جرى عام 2002 السيادة المشتركة على المنطقة وذلك بنسبة تسعة وتسعين بالمئة، مؤكدين رغبتهم في الإستمرار تحت السيادة البريطانية، غير أنهم أعلنوا عن رغبتهم خلال العام الماضي في البقاء داخل الإتحاد الأوروبي.
خروج بريطانيا من الإتحاد سيعرض على البرلمان البريطاني في مطلع الشهر المقبل، لكن إمكانية المصادقة عليه ربما لا تكون واردة، لأن معظم الأحزاب تنوي التصويت ضد الاتفاق، إلى جانب العديد من نواب حزب المحافظين المختلفين مع رئيسة الوزراء.