رؤساء جامعات مقالون يبررون إخفاقاتهم المريعة في إدارة جامعاتهم
أ. د. انيس الخصاونة
26-11-2018 07:28 PM
درجت بعض التقاليد الإدارية في الجامعات والمؤسسات الرسمية في الدول المتحضرة على قيام رؤساء الجامعات أو المؤسسات بكتابة مذكراتهم في إدارة المؤسسات بعد انتهاء فترة ولايتهم.
تتناول هذه القيادات في مذكراتها بصراحة وهدوء الجوانب الإيجابية التي تحققت، والتحديات التي واجهتهم تماما مثلما تتناول الفشل والإخفاقات التي نسبت إلى إدارتهم.
إن ما يميز هذه المذكرات عادة هو الموضوعية، والصدق مع النفس ،والاعتراف بالفشل وعدم القدرة على إحداث التغيير في ضوء ظروف معينة. ولعل هذا ما يجذب القراء الغربيين لشراء وقراءة ما يكتبه المسئولين عن أنفسهم وعن ممارساتهم والتحديات التي واجهتهم.
قبل يومين راعني ما قرأت بمقال لأحد رؤساء الجامعات الأردنية المعزولين بقرار من مجلس التعليم العالي يلقي اللوم في انحطاط التعليم العالي في الأردن على فئة أو نفر قليل من أصحاب المصالح المستفيدين من تراجع سوية وجودة التعليم العالي في المملكة.
كما أتحفنا عطوفته بجمل وتقييمات يصف بها التراجع في صفة "العالمية" وترتيب الجامعات الأردنية مقارنة مع جامعات إقليمية وعربية أخرى.
كلام استفزازي جدا وكأن الرجل يتحدث عن عصر ملائكي في إدارته لجامعة تسبب في تراجع مرتبتها وتصنيفها المحلي والدولي في الوقت الذي أشبعنا كلاما وشعارات حول العالمية وسعية لجعل جامعته مدرجة على المشهد العالمي.
ونود أن نذكره أنه خلال مدة إدارته لجامعته جاء تصنيف جامعته في أدنى السلم التصنيفي العالمي رغم سفرة المتواصل وترحاله من مطار إلى مطار، وتكبيده موازنة الجامعة لعشرات الألوف من الدنانير على شكل مياومات فعن أي عالمية يتحدث هذا الرئيس المقال؟.
نعم تراجعت الجامعة التي أفاق العاملون فيها ذات يوم ليروا إدارة الرئيس المشار إليه وقد تربعت في أعلى الهرم الإداري للجامعة وبدأت مشوارها مع السفر تلو السفر ،وبدأ معها التراجع والانحطاط والتجاوز على الأنظمة والتعليمات وإصدار القرارات المفصلة لخدمة الأحباب والأصحاب، ونمت ظواهر الشللية، والأخطر من ذلك تحولت الجامعة في عهده غير الميمون إلى مؤسسة تسودها أجواء الترصد والتحقيق والإنذارات والإستجوابات حتى غدت وكأنها معتقل أكثر من كونها مركز إشعاع للفكر والحرية والحوار الذي يدعوا إليه جلالة الملك في معظم لقاءاته.أما مديونية الجامعة فقد استلم الرئيس العتيد الجامعة بمديونية لا تزيد عن ستة عشر مليون دينار، وبعد عامين خرج الرئيس وقد أصبحت المديونية تناهز 40 مليون ،وزاد عجز الموازنة بنسبة 700%.
ويكفي أن نشير إلى قيام الرئيس المذكور بتعيين 259 عضو هيئة تدريس في الجامعة خلال عامين وهو رقم كبير جدا ويضاهي مجموع أعضاء هيئة التدريس في جامعتين أهليتين مجاورتين ،علما أن الجامعة لم تكن تحتاج لأكثر من 40 عضو هيئة تدريس حسب بيانات هيئة الاعتماد.
الملفت للنظر فيما أورده الرئيس المقال هو تساؤله عما إذا كانت جامعته قد أصبحت أفضل بعد رحيله؟وأنا هنا أخبر الرئيس المبجل بأن الجامعة أفضل بمرات عديد في عصر هذه الإدارة مقارنة مع إدارته السابقة.ويكفي أن أشير بأن الجامعة لم يأتيها أي استيضاحات من هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، ولا من ديوان المحاسبة حول قراراتها وإجراءاتها في الوقت الذي تستهلك الجامعة كثيرا من الوقت في الرد على استيضاحات واستجوابات عن فترة إدارة الرئيس السابق ،وتجاوزاته المتصلة باستخدام الهواتف الرسمية والسيارات ،والمحروقات ، والسفر ،والمياومات، والتعيينات ، ناهيك عن الشفافية والموضوعية التي تتميز بها الإدارة الحالية لغاية هذا الوقت.
كنت أتوقع أن يكون الرئيس المقال آخر المتحدثين عن الفساد والانحطاط في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي ولا أعلم كيف تشجع عطوفته على تصريحات تصف الجامعات بالانحطاط والترهل في الوقت الذي خرج هذا الرئيس مجبرا ودون أن يكمل فترته في الإدارة ،ولجأ للقضاء زاعما أنه تم إقالته بطريقة تعسفية، فحكم القضاء ببطلان هذا الادعاء واستأنف القضية في محكمة الاستئناف، فثبتت الحكم وبطلان إدعاءاته.
وقبل أن أختم هذا المقال فإني أو أن أقول أنه في الوقت الذي يتعرض مجلس التعليم العالي وزير التعليم العالي السابق إلى هجمة وانتقادات حول قرار مجلس التعليم العالي المتصل بتخصيص ستة مقاعد في الجامعات فإن إزاحة بعض الرؤساء الذين تحوم حولهم شبهات فساد تزكم الأنوف، وتميز أدائهم بالضعف من مناصبهم يشكل إيجابية وإنجاز يحسب لهم وليس عليهم..وصدق رب العزة وهو القائل وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.