تختلف قيمة الانسان السياسية والاجتماعية ودوره في الحياة العامة، باختلاف مكان ولادته، ومقر إقامته. ففي الدول الديموقراطية، يدعى الانسان بالمفهوم السياسي مواطنا. في حين أنه في الدول العربية والاسلامية، ليس سوى، فرد من الرعية.
عندما يرى الانسان في الدول الديموقراطية اخطاء الحكومة يتذكر انه يتمتع بحرية التعبير، وان سلامته مصانة ومضمونة، فيقول ويكتب منتقدا ما يشاء وكيف شاء، ويقترح ما يشاء.
أما في الدول العربية والاسلامية فان ٩٩،٩٩٩٩ من الرعايا، لا يجرؤون على التعبير لا بالقول ولا بالفعل. الافراد الذين ينتسبون الى النسبة القليلة الباقية، يطلق عليهم القاب سلبية مثل: الجاحدون، الكافرون، المتمردون، الطامعون بالمناصب، المغتاظون، اذا ما أبدوا ارائهم، فشخصوا امراض الحكومة، أو أي من اداراتها، او انتقدوا قرارا او تشريعا، او اقترحوا بدائل، تعالج الخلل، حسب تقييمهم.
ردة فعل الحكومات في الدول العربية والاسلامية هي الهجوم المضاد بكلام عنيف أو فعل عنيف، وغالبا ما يطلب من المنتقدين الصمت والاستغفار والعودة الى الحظيرة. يقال عن التائبين، انهم عادوا الى حظيرة الايمان او حظيرة الحكومة.
العلاقة بين الحكومة وسكان الدولة هي علاقة تم اختصارها منذ بداية الحكم العربي الاسلامي بالعلاقة بين الراعي والرعية. وبهذا المفهوم فمكان الرعية الطبيعي هو الحظيرة. ولذلك اقتصر العمل السياسي طيلة عهد الخلفاء الراشدين على من سماهم الفقهاء اهل الحل والعقد. اما في العهود اللاحقة فقد اقتصر العمل السياسي على بني امية ثم بني العباس ثم ...ثم بني عثمان، اي على الحاكم وعائلته وعدد مختار من افراد عشيرته. اي تم التراجع عن صيغة اهل الحل والعقد في العهد الراشدي، التي تدخل في العمل السياسي قادة الرأي وزعماء القبائل. لذلك ابقى الاميون والعباسيون وصولا الى العثمانيين، العرب وبقية افراد الشعوب التي تم السيطرة عليه بالفتوحات، إما في صحاريهم يرعون الابل والاغنام وإما في مزارعهم. عليهم واجبان دفع الزكاة والضرائب الاخرى وارسال ابنائهم جنودا الغزوات.
المشكلة، التي على الحكومات المعاصرة، أن تتنبه لها، هي، أن معظم جيل الشباب لا يعرف معنى الحظيرة. وسيكون الجهل بمعناها شاملا لكامل الاجيال القادمة. ولذلك اقترح على حكومات الدول العربية والاسلامية بث شريط قبل كل نشرة اخبار، يصور منظر قطيع من الاغنام وهي عائدة في المساء الى مكان مبيتها معلقا عليه لافتة كبيرة يكتب عليها الحظيره، حيث يعود القطيع بموكب يتقدمه المرياع والحمار وتحيط به الكلاب من كافة الجهات . هذا المشهد سيكون له فائدة في تعليم فن الادارة أيضا، خاصة إذا تم التركيز على القطيع وهو يسير نحو الحظيرة بدون توجيه او تدخل من الراعي المشغول، بمتابعة النكت والتعليقات على واتس اب هاتفه الخلوي. الفضل يرجع للتطويع المستمر الممنهج، من الراعي والحمار والمرياع. كما يجب على الحكومة أن تبث شريطا اخر في نهاية النشرة الاخبارية تظهر الاغنام والابقار وهي مصطفة مطأطأة رؤوسها ليتم حلبها. ولكنني احذر من مغبة تسليط الكاميرات على مذاود العلف واجران المياه، حتي لا تصاب الابقار والاغنام بالحسد من المشاهدين الذين سيقارنون بين تدليل البقر والاغنام وبين ما يتلقونه هم من معاملة رعيانهم.
لا ارى أي استثناء لهذا المشهد في أي دولة عربية او اسلاميه.