إلى جانب خفض العجز واحتواء المديونية بحدودها الراهنة فإن الهدف المطروح على الاقتصاد الأردني اليوم هو تجاوز الركود واستئناف النمو بمعدلات أعلى .
لكن قبل العام 2009 حققنا لبضع سنوات نسب نمو وصلت إلى 7 % فكيف نتذكر تلك الأيام ؟ لا تختلف كثيرا عن حالنا اليوم.
هذا مع أن العودة إلى نسب نمو بهذا الارتفاع والتي يفترضون أنها ضرورية لخفض العجز وتغطية الأقساط السنوية للديون وخفض نسب البطالة يبدو حلما بعيد المنال وهو وفق الآليات التقليدية مثل جذب الاستثمارات والتوسع في الاستهلاك والتصدير يحتاج إلى تدفق أموال بنسب لا تبدو متاحة في المستقبل.
وعليه فالسؤال عن الاقتصاد البديل ليس سؤالا نظريا يخص نمط الاقتصاد الرأسمالي السائد في زمننا بشكل عام بل يخاطب بلدنا ومجتمعنا بصورة خاصة. وعندما ننظر إلى التحديات التي تواجهنا كبلد يفتقر للثروات الطبيعية ومصادر المال فمن الواجب التوقف والتفكير ما هو الشيء المبدع والمبتكر والمختلف عما هو سائد من فرضيات وأنماط موجودة.
في العالم اليوم يقتصر الصراع على نهجين ضاقت الفروقات بينهما إلى أضيق الحدود كما هو الحال تقريبا بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري الأميركي أو بين أحزاب يمين الوسط ويسار الوسط في أوروبا وهو ما أنتج القوى الانتخابية الشعبوية الجديدة التي تقدم خطابا شعبويا مراوغا يخاطب الغرائز الأنانية والمشاعر الرائجة مثل الكراهية للأجانب والمهاجرين لكنه في حقيقته يقف على يمين الأحزاب الوسطية واليمينية التقليدية التي تتميز عن قوى يسار الوسط بالاتجاه لتقليص تدخل الدولة وتقليص الخدمات العامة والرعاية للفئات الأضعف وتقليص الضرائب على الدخول والأرباح.
لكن الاتجاه الشعبوي الجديد لا يطرح أي برنامج اقتصادي بديل ولا يملك أجوبة على التحديات الحقيقية وإلى الأمام قليلا سنجد أنه لا يقدم مشروعا مختلفا.
اعتماد أرقام النمو وفق المعايير السائدة كان دائما محل نقد من اقتصاديين يرون أنه مضلل ويعكس فقط نمو الأعمال وليس التنمية البشرية وتحسين مستوى و " نمط " معيشة الناس. صحيح أن الزيادة في النمو تعكس زيادة حجم الاستهلاك والانتاج للسلع والخدمات لكن ليس بالضرورة أن تعكس تقدما في مستوى ونوعية الحياة بشكل عام ناهيك عن توزيع الدخول وتحسن بيئة ونوعية العمل لكن لم يتم التوصل حتى اليوم في الحسابات الاقتصادية الإجمالية أو في ما يطلق عليه الاقتصاد الكلي إلى نظام بديل، مع أن أنواعا أخرى من المؤشرات والإحصائيات تعتمدها الأمم المتحدة ومؤسسات أخرى ظهرت مثل مؤشر التنمية البشرية وآخرها مؤشر " السعادة ".
الفكرة التي تلح في هذا المقام هي هل ينبغي أن نستمر باللهاث وراء الأساليب التقليدية لتحفيز النمو وما هو النمو الذي نتوقعه اذا نظرنا من زاوية أخرى غير الزيادة الكمية في حجم الأعمال.
لو جمعنا كمية السلع من كل نوع في السوق لوجدنا أنها تفيض عن الحاجة الضرورية والفعلية أضعافا وتكفي لسنوات قادمة، لكن أن نتوقف لسنة عن الانتاج والاستهلاك والبيع يعني كارثة اقتصادية وتوقف مداخيل الجميع دولة وأفرادا بمعنى أننا يجب أن نمارس الهدر في الموارد لاستمرار عجلة الاقتصاد وهذا حتى لاقتصاد ضعيف الانتاجية مثل الاقتصاد الأردني ، اقتصاد يوجد فيه اليوم 300 ألف عاطل عن العمل مقابل مليون وافد في السوق ، اقتصاد يأتيه من أبنائه العاملين في الخارج 2 مليار 600 مليون دينار لكن يخرج منه على يد الوافدين مليار و 800 مليون.
ولا حاجة للاستطراد في توصيف الاختلالات التي تمثل تحديات قد لا يكون ممكنا مواجهتها هي أيضا بالوسائل التقليدية مثل تلك التي تقول أن خلق وظيفة إضافية جديدة تحتاج الى استثمار 100 ألف دينار. هي على كل حال دعوة للتأمل والتفكير وللحديث صلة.
الغد