خصصت حلقة "جدل" التلفزيونية الحوارية التي أقدمها على فضائية " A one TV " في الاسبوع الماضي لمناقشة عنوان من العناوين المهمة والإشكالية وهو "حرية الاعتقاد ... المسموح والمحظور" مع التربوي المعروف الدكتور ذوقان عبيدات والدكتور في الجامعة الأمريكية المفتوحة الدكتور بشار الشريف.
وأنتج الحوار الهادئ والعميق رغم صخب العنوان آراء فكرية ودينية غير شعبوية ومحدودة التداول بين الناس، وربما يكون ما قاله الدكتور بشار الشريف في رده على سؤال حول هوية الدولة الأردنية هل هي دولة دينية أم دولة مدنية من بين أكثر الآراء اللافتة في تلك الحلقة حيث أجاب بالقول: ( ... لا يوجد في الإسلام شيء اسمه دولة دينية، لأن الدولة الدينية هي دولة كهنوتية، الحاكم فيها هو حاكم باسم الله وناطق باسمه وهذا ليس موجوداً في الإسلام، ودولة المدينة المنورة التي أقامها النبي "ص" كانت دولة مدنية وليست دينية جمعت المسلم باليهودي بالمشرك).
ومن هذا الفهم العميق لمفهوم الدولة في الإسلام يمكننا دحض كل الأفكار والنظريات والاجتهادات التي تنادي بإقامة الدولة الإسلامية، وبخاصة دعاة (الحاكمية في الإسلام ) والذين يؤمنون بأن أي حكم على الأرض يجب أن يطبق نص الآية الكريمة القائلة ( إن الحكم إلا لله ) وإلا فإنه حكم كافر، وهو الفهم الخاطئ الذي أسس ومنذ زمن بعيد للمفهوم المتطرف لتطبيق الإسلام وألغى بصورة أو بأخرى مفهوم حرية الاعتقاد والعبادة، وفي العودة إلى الخلفية التاريخية التي أسست لما يسمى بالحاكمية، سنجد أن الخوارج هم أول من رفع شعار ( لا حكم إلا لله ) استنادا للآية الكريمة (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) (سورة يوسف أية 40)، وقد رفعوا شعارهم هذا في مواجهة التحكيم الذي قبل به الإمام علي في خلافه السياسي مع معاوية بن أبي سفيان حول أحقية الحكم وليس بسبب يتعلق بجوهر الدين الإسلامي، وكان أن رد عليهم الإمام علي بشعار بات قاعدة في نقض النوايا السيئة والمعتقدات الفاسدة حيث قال (إنها كلمة حق يراد بها باطل).
بعد هذه الحادثة طوي شعار (لا حكم إلا لله) لقرون طويلة حتى جاء أبو الأعلى المودودي وأعاد إحياؤه من جديد في بدايات القرن العشرين في كتابات عديدة شددت على إقامة الخلافة الإسلامية، ثم جاء بعده بعقود سيد قطب فأعاد إنتاج الفهم وبطريقة أكثر تشدداً، ومنذ زمن سيد قطب إلى اليوم نحن نعيش أزمات ما خلفته ثقافة "لا حكم إلا لله" والتي أنتجت ثقافة القتل والموت باسم الدين الإسلامي من طالبان مروراً بالزرقاوي وصولاً لداعش ولغيره من التنظيمات الإرهابية التكفيرية الموجودة حالياً.
أما الرأي المهم الآخر الذي قيل خلال ذات الحلقة كان للدكتور ذوقان عبيدات الذي ربط بين الديني والسياسي من خلال قوله ( إن كل حاكم يحرص على إيجاد مؤسسة دينية تدعمه وتدعو له، فالحاكم الذي يتغطى بالدين يسهل عليه حكم الناس)، وهو واقع الحال فقد كان في الماضي في زمن حكم الكنيسة الكهنوتي الصرف واستمر حتى اليوم حيث تحالف الديني مع السياسي في دول وأماكن كثيرة في العصر الحديث، ويعد نظام الحكم في إيران من أبرز هذه النماذج للدولة الثيوقراطية – الكهنوتية التي تعادل دولة داعش بالفكر السني، فالولي الفقيه يقدم نفسه بأنه يحكم مباشرة باسم الله، ومن يخرج عن أوامر هذا الولي يكون قد كفر بالله وخرج من ملة الإسلام ويستحق القتل.
موقع 24