حالة من الاحتجاجات المتبادلة بين فئتين من المجتمع تمثل كل منهما فئة من القوى العاملة تتنافسان على قطاع خدمات النقل وهما قطاع حجز السيارات عبر التطبيقات الذكية وقطاع سيارات التكسي الأصفر التقليدية ؛ كان الأخير (التكسي) قد نفذ سلسلة من الاحتجاجات والضغوط على الحكومة للحد من انتشار خدمات سيارات التطبيقات الذكية التي يعتبرها تمارس منافسة غير عادلة، حيث يرفض سائقو التاكسي الأصفر هذا النظام الجديد للنقل الذي يتيح لكل من معه سيارة خاصة ضمن مواصفات شركات تطبيقات النقل أن يعمل في نقل الركاب دون تحمله دفع رسوم سنوية مفروضة على مكاتب التاكسي التقليدي.
الحكومات الأردنية تركت هذه الخدمات الجديدة التي بدأت منذ 2015 دون تنظيم إلى نهاية 2017 حينما رخصت مجموعة من الشركات ومنحتها مدة محددة لتسوية أمورها، وكان من المفترض أن تقوم تلك الشركات بإنهاء إجراءات الترخيص للسواقين ,يفترض أن تقوم خلال المدة التي انتهت الاسبوع الماضي بتهيئة مقار ومكاتب لها، واستكمال تراخيص التطبيقات من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
إن فئة واسعة تكاد تكون الأغلبية مرتاحة أكثر مع خدمات سيارات الأجرة عبر التطبيقات الذكية لما تتمتع به من خدمة أفضل كما عكست ذلك دراسات مسحية نفذت على مستخدمي وسائل النقل، بالإضافة إلى ما توفره هذه التطبيقات من وقت وعناء مقابل ما يوصف به قطاع النقل في الأردن من رداءة وما يجعله واحدا من أكثر مصادر الهدر الاقتصادي فهو ربما الأكثر هدرا لوقت الأردنيين .
صحيح، لقد جاء اتساع خدمات التطبيقات الذكية على حساب سيارات الأجرة التقليدية (التكسي الأصفر) الذي تراجع الطلب على خدماته بشكل واضح ما خلق منافسة حادة في الوقت الذي لم يبادر القطاع التقليدي إلى تطوير خدماته، اليوم هناك مشكلة بالفعل ثمة قطاع كبير يقدر بنحو 15 ألف سائق في التطبيقات الذكية سيكون نحو ثلثيهم عاطلين عن العمل في المقابل لا ندري إلى هذا الوقت هل ستترك الحكومة هذه الفئات من القوى العاملة في هذا القطاع الخدمي لقوانين السوق؟
سائقو سيارات التطبيقات الذكية أو كما يسمون (الكباتن) يقدمون مثالا مهما على قدرة التحولات التكنولوجية على خلق قفزات مذهلة في قطاعات متعددة وكيف يمكن أن تنتهي مهن تقليدية وأن تحل مكانها مهن جديدة أو أن تعيد هيكلة مهن تقليدية وتعمل على إحلال فئات اجتماعية جديدة، وهذا ما حدث في قطاع سيارات الأجرة كيف استطاع هذا القطاع خلال أقل من عامين أن يستوعب نحو 15 ألف شخص.
هل يأخذ الكباتن الجدد سائقي التكسي الأصفر معهم ويدمجونهم في العالم الجديد، أم أن سائقي الأصفر سوف يجدون من يدعم مطالبهم في الاستمرار في البقاء في العالم القديم. الكباتن الجدد هم مزيج من الشباب المندمجين بالتكنولوجيا الرقمية ومعظمهم من خريجي الجامعات الذين عانوا من البطالة لسنوات. علينا أن نلاحظ كيف تساهم التكنولوجيا الى جانب الظروف الاقتصادية في تحولات أساسية في قيم العمل، كيف يتم إعادة هيكلة المهن وكيف تزيح مهن جديدة مهنا قديمة وكيف تعمل هذه التحولات على خلق حراك مهني حتى بين الأجيال.
التحول الرقمي لا يعني الحكومة الالكترونية بل إن أتمتة الخدمات الحكومية لا يعدو أكثر من جزء بسيط من هذا التحول الذي يفترض تدشين بنية تحتية من الأتمتة في كافة مؤسسات الدول وأعمالها، وأتمتة أعمال القطاع الخاص وبناء قواعد معلومات ونظم إدارة البيانات وربط ذلك في شبكات وطنية للمعلومات ؛ أي تحول اقتصادي واجتماعي ينال المهن والأعمال وتنظيم العلاقات ؛ كل هذا التحول هو القادر على جعل البلاد موئلا لفرص جديدة لا تنضب.
الغد