ليس هذا المقال عن إغلاق شارع المطار أو شارع الأردن بسبب جاهة او فاردة يصر أصحابها على إغلاق جميع المسارب وإجبار السيارات جميعها على السير بسرعة 18 كيلومترا في الساعة والمشاركة في الأفراح والليالي الملاح، ولكن عن جدوى ومعنى الجاهات والفاردات في الحياة المدنية والمعاصرة.
فالجاهة والفاردة مستمدتان من مفهومين لم يعد تطبيقهما يجري في الحياة المعاصرة، أولهما الإشهار، والثاني مسؤولية المجتمع والعشائر تجاه أعضائها، وبما أن الجاهات والفاردات لم تعد تشهر العرس، ولن يعرف أحد من المقيمين في ضاحية الرشيد او العابرين في شارع الملكة رانية او المسافرين إلى كازاخستان أو العائدين من عمان إلى إربد العريس والعروس ولن تتحق حكمة الإشهار التي كان يكفي لأجلها مجرد إعلان ما بطريقة ما فيعرف أهل الحي أن هذه المرأة التي بدأوا يرونها في الحي هي زوجة طويل العمر فلان وأن وجودها ليس مستغربا، وأن الشاب والصبية اللذين شوهدا يسيران معا في الطريق هما العروسان اللذان سمعنا أصوات الزغاريد لأجلهما وليسا خارجين عن التقاليد والقيم والأعراف، ولا اختطف فتاته، ولكن ما الذي تضيفه الجاهات والأفراد إلى حياة الناس وعلاقاتهم ومعرفتهم وقراراتهم وتصوراتهم؟ لا شيء بالمرة، فالزوجان لم يعودا بحاجة لإعلان زواجهما والحصول على القبول والموافقة فهما يسيران معا ويقيمان معا، وإذا كانا بحاجة لذلك فإن الجاهة لن تفيدهما بشيء.
تتحول حياة الناس في الصيف وبخاصة في يومي الخميس والجمعة إلى معاناة شديدة بسبب مواكب الأعراس وإطلاق النار والمفرقعات والإزعاج واصوات السيارات والناس وتتعطل مصالحهم وأعمالهم وتهدر أوقاتهم ويفوّتون مواعيد في السفر والعمل لأجل عشرات المواكب والتي لم يعد لها مبرر. وهذه هي المشكلة الأصلية، فلو أني تأخرت عن الطائرة لأجل عمل أو تقليد متقبل أو مفيد لكانت الخسارة قليلة أو محتملة، ولكني مضطر أن أهدر وقتي وأشارك في الضجيج والصراخ والاستماع لمنبهات السيارات لساعات عدة لأجل فكرة مجهولة.
هل يسأل اصحاب المواكب أنفسهم عن سر إطلاق منبهات السيارات بصوت منكر وإجبار آخرين لا علاقة لهم ولا معرفة بأهل العرس؟ ما هو سر البهجة التي يطلقها لدى أصحاب العرس أصوات المنبهات وإغلاق الشوراع الرئيسية، ويحدث في أحيان كثيرة أن تغلق تماما شوارع رئيسية في عمان والبلدات لأجل حفل زفاف!
الجاهات والفاردات تقليد لم يعد له مبرر ابتداء، ويهدر الوقت والطاقة والمال، ويزعج الناس ويزيد معاناتهم ويعطل مصالحهم ويعتدي على حقوقهم وخصوصيتهم، ويجب النظر إليهما في حالة إطلاق الاصوات أو إغلاق الشوارع على أنهما جريمة يطالها القانون.
ولكن الأكثر كارثية وفجيعة كيف عجزت الجامعات والمدن والمهن والسفر والفضائيات والإنترنت والاتصالات والأقمار الصناعية والصحوة الإسلامية والحركات اليسارية والتقدمية والليبرالية عن مواجهة ثقافة الرعي؟
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo