الجامعة الهاشمية
ما أن لمحت النشمية الأردنية جلالة الملك يمر أمامها حتى أبصرت فيه أباها و فارس الفرسان ، دون حواجز و لا رسميات تحول بين الأب و أبنائه و دون خطوط طويلة يرسمها الساسة لحدود الاشتباك ما بينهم و بين شعبهم ، شعرت بأن أباها يدعوها للبوح بما تكن في فؤادها و يعتلج في صدرها " و البنت سرُّ أبيها" فأدركت أنها أمام فارس و ملك ، تعظُم فيه القيمة الإنسانية و النخوة الأردنية ، و كأنه يقول لها بصوت الأب الحاني " يا عونك " ، فأنصت إليها و هي تشبِّك يدها حول عنقه بخشوع المتبتلة في محراب السادة و الأشراف و الرجال.
دلوني يا سادة على ملك تشبك بنت من شعبه و تقترب من أذنه لتُسرَّ له ببعض ما ينطوي في قلبها، كسر ما أمّنت للبوح به لأحد إلا لسيدنا ، هل يمتلك دعاة الليبرالية و نظرياتهم عن السوق و الاقتصاد الحر و العقد الاجتماعي الجديد و كل نظرياتهم في الإصلاح السياسي التي يحفظونها عن ظهر قلب ، و هل يمتلك المحافظون المتمترسون في مواقعم و أبراجهم و على مقاعدهم الوثيرة مفتاحاً لفك شيفرة هذا المشهد الجليل و الجميل ؛ جليل لأن ملكاً مكَّن بنتاً من شعبه الطيب من أن " توشوشه " بحبها له و حاجتها عنده ، و جميل لأن الصورة حضرت بهية دون رتوش و دون تدخل " الفوتوشوب" جعلت الملك و ابنته الأردنية في صعيد واحد من العفوية و الإنسانية الفريدتين و الغريبتين إلا عند " سيدنا"، في موطن الرجال و الفرسان.
إنها بنت من بلادي ، من بلاد لوَّحت الشمس وجوه رجالها ، و قد طوعوا الجغرافيا العنيدة ؛ لتعلن أنها الحالة الأردنية الوحيدة دون غيرها من غلبها و أجبرها على ميلاد وطن ، ساسه الهاشميون بغير منَّة و لا ترفع عن الناس من حولهم ، لقد أرسى الهاشميون عقداً اجتماعياً يُعلي من قيمة الإنسان و يُعظِّم من قيمة الحب و الولاء في وطن الطيبين ، دون رهبة أو خوف أو استدعاء جبري ، و ما الصورة أعلاه إلا الدليل الواضح على هذه السجية الهاشمية من لدن " سيدنا " ، الذي ما إن تناهى صوتها منادياً حتى جاء الرد من الملك " لبيك "!.
يؤسس الهاشميون لقاعدة فريدة في سياسة الملك و هي أنهم ولاة أمر لنا بشرعية لا تعرفها جل الممالك في هذا الزمان و لا الجمهوريات و لا غيرها ، إنها شرعية الحب و الوفاء ، التي زانها بنو هاشم بعلوِّ أخلاقهم وطيب شمائلهم و حسن رعايتهم لمصالح شعبهم و أمتهم ؛ انطلاقاً من أن هذا الوطن صنعه الشرفاء و الشهداء ، الذي يعرف فيه الأردنيون أنهم مشاريع شهداء على ثغر من ثغور الوطن الطاهر ، الذي طالما حماه رجاله برموش عيونهم لئلا تجرح شوكة خاصرته أو تناله يد الغادرين و المارقين و المتاجرين بالأوطان !.