إعادة بناء الثقة السياسية في الأردن
الدكتور عارف بني حمد
22-11-2018 01:34 PM
بمناسبة طرح الحكومة لخطتها للعامين القادمين لتحسين الأوضاع الإقتصادية وتوفيرعشرات الآلاف من فرص العمل للشباب ، من الأهمية بمكان الإعتراف بوجود أزمة ثقة بين المواطنين من جهة والدولة والحكومة ومؤسساتها من جهة أخرى، وقد أشار لذلك جلالة الملك خلال إفتتاحه الدورة العادية لمجلس الأمة مؤخرا ، وقد بدأت حملة التشكيك بقدرة الحكومة على تطبيق خطتها فور الإعلان عنها، لفقدان ثقة المواطنين بوعود وخطط الحكومات المتعاقبة .
وهذا يدفعنا للحديث عن مفوم الثقة السياسية التي تأخذ أشكالا مختلفة، أولها الثقة بالنظام السياسى ككل، بدءا بالدستور والقوانين, مرورا بالمؤسسات والمسئولين، وانتهاء بكل ما يتعلق بالمواطن فى دولته، وثانيها ثقة مؤسسات الدولة فى بعضها بعضا ، وثالثها الثقة المتبادلة بين مختلف مكونات المجتمع . فقد عرّفت الأمم المتحدة "الثقة السياسية" في إعلان فيينا بشأن بناء الثقة في الحكومة عام 2007 بأنها تعبر عن «وجود توافق في الآراء فيما بين أفراد المجتمع حول القيم والأولويات والاختلافات المشتركة، وعلى القبول الضمني للمجتمع الذي يعيشون فيه، كما تشير أيضاً إلى توقعات المواطنين لنمط الحكومة التي ينبغي أن تكون عليه، وكيف ينبغي للحكومة أن تعمل وتتفاعل مع المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية».
وهناك اتجاه آخر يعرِّف الثقة السياسية بأنها تعبير عن ارتياح المواطنين تجاه نواتج أداء الحكومة والسلطات والمؤسسات السياسية، وأن الثقة تكتسبها الحكومات نتيجة أدائها خلال فترة معينة وقدرتها على الاستجابة لاحتياجات مواطنيها، كما أنها تشير إلى مدى اعتقاد المواطنين بأن الحكومة أو النظام السياسى يعمل بأسلوب يتسق مع توقعاتهم. ومن هذا المنظور، فإن الحكومات من المفترض أن تسعى الى تعزيز قيم الثقة بينها وبين مواطنيها، من خلال العمل على تلبية احتياجاتهم لتعزيز شرعيتها أمام المواطنين ولتحقيق الاستقرار داخل المجتمع، لأن التراجع والبطء فى تلبية احتياجات المواطنين، قد يؤدى إلى فقدان الثقة فى الحكومة وبالنظام السياسي ككل ، مما يترتب عليها أعمال الاحتجاج، والتظاهر، والإضراب، والاعتصام. كما أن فقدان الثقة من جانب المواطنين فى المؤسسات السياسية قد يسهم فى تعزيز العديد من المشاعر السلبية، مثل اللامبالاة وعدم الانتماء، والشعور بالاستبعاد والتهميش، وهى كلها أمور تهدد استقرار النظام السياسى، بل والمجتمع كافة. وعندما لا يرى المواطنون في الحكومة وأعضائها وممثليها من یمثلهم فعلاً، ويتحدث بصوتهم ووجعهم، تضعف أو تنعدم الثقة، وتخيب آمالهم في الطريقة التي تعمل بها المؤسسات الحكومية وما تقدمه إليهم.
وبذلك نجد أن توافر الثقة السياسية يعني النظرة الإيجابية العامة للمواطنين تجاه الحكومة، وتنشأ هذه النظرة كلما تم تجسير الهوة بين ما يتوقعه المواطن من الحكومة وما تحققه من جانب، وبين ما تخطط له الحكومة وما تنفذه من جانب آخر، ويقيّم المواطن الحكومة من خلال بعدين:
البعد الأول: مدى قدرة الحكومة على تحقيق رغبات المواطن، من خلال تحسين واقعه الاقتصادي والاجتماعي، وتحقيقها العدالة الاجتماعية والإنصاف.
البعد الثاني: مدى قدرة السياسات والإجراءات الفعلية، على تحقيق أهداف الحكومة المعلنة، ومدى انسجامها مع التصريحات الحكومية الرسمية.
وفي بلدنا الأردن ، يمكن تلمس بعض مظاهر ضعف الثقة تجاه الحكومات المتعاقبة لجهة ما يتعلق بتحسين مستوى المعيشة ورفع مستوى الأداء الاقتصادي للمؤسسات وممارسة سياسة اقتصادية شفافة وواضحة تساعد في تخفيف حدة الصعوبات التي واجهت المجتمع الأردني طوال السنوات الماضية، ما دفع بالمواطنين، في كثير من الأحيان، إلى عدم الأخذ على محمل الجد بالإجراءات أو القرارات أو التصريحات الصادرة عن الحكومة أو عن اجتماعاتها أو لجانها، ويظهر ذلك جلياً في حجم الإنتقادات التي تزداد عقب صدور أي قانون أو إجراء .
وتواجه الحكومة الحالية، نتيجة الأوضاع الإقتصادية الصعبة والمتراكمة جراء السياسات الحكومية الفاشلة خلال عقدين ( العجز المزمن في الموازنة ،إرتفاع الدين العام وانخفاض الإيرادات العامة ) والتي حدت من قدرة الحكومة على تلبية حاجات ورغبات المواطنين وتسهيل الحياة المعاشية، فأدى ذلك كلّه إلى ضعف الثقة. ورغم التصريحات الحكومية المتكررة حول مساعيها للإصلاح الإقتصادي والضريبي ومكافحة الفساد المالي والإداري، إلا أن المواطن لم يعد يثق بإجراءات الحكومة التي لم ينتج عنها سوى تراجع مستوى معيشته ، وتفاقم مشكلتي البطالة والفقر. كما أن الوعود بالإصلاح الإداري، لم تتعدَّ آليات كثرة الاجتماعات والندوات والإقالات والتدوير والمناقلات الوظيفية دون أن يترافق ذلك مع نتائج فعلية على أرض الواقع، سواء أكان ذلك في الحد من انتشار ظاهرة الفساد، أم في تسهيل وتبسيط إجراءات العمل الإداري، أم في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. إضافة الى أن اعتماد الحكومة على التغطية الإعلامية والتصريح بأهداف يصعب عليها تحقيقها (على الأقل على المدى المنظور)، قد أسهم بشكل كبير وواضح في التقييم السلبي للأداء الحكومي ، وهذا ما نلحظه من مراقبة ومتابعة سلوكيات وردات فعل المواطنين عند الحديث عن أي تغييرأو تعديل وزاري أو انتخابات تشريعية أو صدور قوانين جديدة، إذ توجدُ فجوة ثقة في المناخ العام، وفي معظم مؤسسات الدولة.
وتمثل جودة الخدمة العامة والواقع الاقتصادي ركناً جوهرياً من أركان تحسين الأداء الحكومي، إذ إن توافر الخدمات العامة والبنية التحتية وجودتها (كهرباء ومياه وتعليم ونقل وصرف صحي....إلخ) وتحسن المؤشرات الاقتصادية (زيادة فرص التشغيل، زيادة المستوى العام للأجور، زيادة الاستثمارات الحقيقية. إلخ) يُعزّزان ثقة المواطن بالحكومة، بالمقابل إن عدم تحقيق نتائج ملموسة في مكافحة الفساد، والحد من هدر الأموال العامة، وتأمين العدالة الاجتماعية، كلّ ذلك يقلل من مقدار الثقة في الحكومة .
ورغم صعوبة تجسير فجوة الثقة بين المواطن والحكومة ؛ بسبب استشراء الفساد وانخفاض الكفاءة والترهل في أداء الحكومات المتعاقبة واستنساخها البرامج الحكومية السابقة، وبقاء الملفات والقضايا الكبرى عالقة حبيسة الأدراج والمكاتب، لكنها ليست بالعملية المعقدة إذا توافرت الإرادة والنية الصادقة لبناء عوامل الثقة، وذلك من خلال اعتماد نهج شامل يبدأ من إشراك المواطنين في الرقابة الفعالة بالإضافة إلى الشفافية والمساءلة وتسهيل إجراءات الكشف عن ضعف الأداء والتقييم، ويمكن تقليص فجوة الثقة وإعادة بنائها انطلاقاً مما يلي:
- استكمال الاصلاحات السياسية وتطوير الحياة الحزبية للوصول الى حكومات برلمانية حقيقية تحظى بثقة المواطنين وذات برامج عملية تعكس تطلعات وطموحات الشعب .
- الفصل والتوازن بين السلطات الثلاث وتفعيل دور مجلس النواب وعدم هيمنة السلطة التنفذية على السلطة التشريعية، وهذا يتطلب ممارسة مجلس النواب حقه الدستوري، في الرقابة والتشريع وحجب الثقة عن الوزارة أو أحد الوزراء في حال عدم قدرته على القيام بواجباته .
- إرادة سياسية وإجراءات جدية في مكافحة الفساد المالي الكبير والصغير وتفعيل دور الأجهزة الرقابية .
- تعزيز إستقلال القضاء وسيادة القانون على الجميع مسؤولين ومواطنين عاديين .
- تحقيق الأمن الإجتماعي من خلال تجسيد العدالة الإجتماعية وحماية الأسر الفقيرة ومعالجة مشكلتي الفقر والبطالة .
- تقديم الخدمات العامة الجيدة وصيانة البنية التحتية .
- الشفافية والمساءلة والمحاسبة ، وأن تتم محاسبة المسؤولين، بناء على المهام المنجزة المسندة إليهم، ما يفرض تطبيق المساءلة والمحاسبة ليس نتيجة سوء استخدام السلطة العامة (ما يسمى الفساد)، لكن أيضاً نتيجة الإهمال، سواء أكان مقصوداً، أم غير مقصود، وعدم إنجاز الأهداف الموضوعة.
- الإصلاح الإداراي وأن يكون الترقية والتعيين بناء على الأداء والكفاءة وليس بناء على الشللية والمحسوبية والجهوية .
- تفعيل دور الإعلام الحر المسؤول كسلطة رابعة تمارس دور الرقابة الشعبية على الأداء الحكومي.
- إنجاز الحكومة الإلكترونية.
وحمى الله الأردن العزيز