المسلمون واوروبا على ضفاف المتوسط
د. عاكف الزعبي
21-11-2018 04:04 PM
السادس والسابع عشر الميلاديان قرنان رسما ما لحق من أحوال العالم المسيحي شمال وغرب المتوسط ، والعالم الاسلامي جنوبه وشرقه وطبيعة العلاقة القائمة بينهما حتى اليوم .
في هذين القرنين بدأت اوروبا المسيحية شمال وغرب المتوسط تنسج خيوط نهضتها تأسيساً على الدعوة لحقوق الانسان ، والتوقف عن تسييس الدين وانهاء هيمنة الكنيسه ، واحياء الحياة العلميه ، والتنوير الفكري ، والاكتشافات الجغرافيه .
في الوقت نفسه – القرنين السادس والسابع عشر – حيث كانت اوروبا تؤسس لصعودها كان العالم الاسلامي جنوب وشرق المتوسط قد بدأ يزرع اسباب انحطاطه بحرب دينية مذهبية بين الدولة الفارسية الصفوية الشيعية والدولة العثمانية السنّية امتدت اكثر من ثلاثماية سنة ( 1514-1823 ) .
اوروبا واصلت بعد ذلك صعودها بالفكر الفلسفي والثورة الفرنسية والتقدم العلمي والثورة الصناعية والسيطرة على المنافذ البحرية وطرق التجاره . بينما واصلت الامبراطورية العثمانية تراجعها حتى تم تفكيكها بفعل اوروبي روسي إلى أن هزمت وصُفّيت في الحرب العالمية الاولى 1914-1918، وتراجعت معها دولة فارس الصفوية الى داخل حدود ما صار يعرف حتى اليوم بدولة ايران .
صارت دول المسلمين بعد انهيار امبراطورية بني عثمان ثلاث كتل. تركيا (هضبة الاناضول) ، وايران ، وشتات دول العرب الذين توزعوا في ثلاث تجمعات بين الجزيرة العربيه والهلال الخصيب وشمال افريقيا .
تركيا انقذها من التقسيم قائدها التاريخي مصطفى كمال اتاتورك بعد ان انتصر في معركتين على الانجليز والفرنسيين وكرسها عام 1923 دولة علمانية ديمقراطية تمكنت من احراز التقدم الذي بلغته اليوم .
ايران حكمتها الاسرة البهلوية تحت استقلال شكلي وهيمنة بريطانيه . ومضت في تغريبها ورهنتها للغرب وانتقلت مفاتيحها من ايدي بريطانيا العظمى الى ايدي الولايات المتحده بعد أن اسقطت ثورة مصّدق . لم ينجح مصّدق في ثورته في 1953 . وثورة 1979 تم اختطافها من قبل رجال الدين بمساعدة من الغرب الذي وجد فيهم بديلاً أنسب لمصالحه من الاحزاب الوطنية العلمانية والمدنية ( توده الشيوعي ومجاهدي خلق ) .
شتات دول العرب وبسبب من التخلف الاجتماعي والفكري والثقافي وصراع التيارين القومي والديني السياسي واقتتال العسكر على السلطة لم يُتح لأي منها منذ زوال الاستعمار الاحتلالي الاوروبي وحتى اليوم نخبة وطنية تمتلك الرؤية والقدرة على بناء الدولة المدنية التي يستمد فيها الحكم شرعيته من المواطنين ، وتخضع لحكم القانون ، وتحميها وتخدمها مؤسسات مدنية ديمقراطية راسخه ، ويتم تداول السلطة فيها بارادة شعبية وطريقة سلمية.