أفقت على تصريحات رئيس هيئة مكافحة الفساد التي تصدرت الصحف في الأيام الماضية خلال لقائه المُشاركين في برنامج إعداد القيادات الإدارية الذي نظمه المعهد الوطني للتدريب بالتعاون مع وزارة تطوير القطاع العام والذي نفى فيه وجود فساد مُنظم في الأردن أو شبكات فساد، مؤكداً أن الفساد يأتي من ثغرات في التشريع، لأصاب بعدها بنوع من الصدمة والذهول لعلمي الأكيد أن الفساد ينخر في جسد الوطن حتى أصبح واقعا معاشا للمواطن وثنائية فريدة للمسئول الأردني، لأستفيق مرة ثانية على التصريحات النارية التي أطلقها النائب عبدا لكريم الدغمي- وهو احد رموز البلد وبحكم المواقع التي تقلدها سابقا وما زال والتي سمحت له بالاطلاع على الكثير من الخفايا التي لا يمكن لنا الاطلاع عليها إلا من خلال بعض التسريبات هنا وهناك وكذلك من خلال الإشاعة التي نادرا ما كذبت نبوءتها- حيث جاء في تصريحاته، إن الفساد يمر من تحت أعيننا ولا نفعل شيئا تجاهه وطالب بهبة للمجلس النيابي إزاء ذلك.
من البديهي أن الاعتراف بالمشكلة يعتبر بداية لحلها إن لم يكن نصف الحل، وان عدم الاعتراف بها وغض الطرف عنها سيبقي البعض منا في دائرة الشك وتوجيه الاتهام والبعض الآخر في النصف الثاني من الدائرة، بينما يقف المنتفعين من الفساد وأدواته في بقعة صغيرة لا تكاد ترى إلا بمنظارهم فقط، ومهمتهم تكاد نكون محصورة في نفي تلك المزاعم والمعتقدات، بينما ستبقى المشكلة تتفاعل وتتفاقم كالبركان تحت الرماد ما يلبث أن ينفث حممه في كل اتجاه غير مميز بين فاسد ومفسد ومفسد به.
وحتى نقطع الشك باليقين، ولا نتهم بأننا نهرف بما لا نعرف، ولكي لا نبقى واقفين على منعطف التجاذبات السياسية وتوزيع التهم ادعوكم في هذه العجالة لنتعرف سويا على المعنى المقصود بالفساد من وجهة النظر الدولية، متجاوزا عن وجهة نظر الدين في ذلك لاعتبارات عدة، أولها خشيتي على بعض من اعتبرهم مثالا يحتذى في السقوط في هاوية هذا الامتحان منطلقا من قول الرسول الكريم( والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، وثانيها يقيني بعدم براءة معظم المسئولين وخشية إقامة الحد عليهم، عندها سيصبح جزءا كبيرا من المجتمع معاقا وفي ذلك عبء على الوطن، وثالثها حفاظا على صورة الوطن أمام المجتمع الدولي، ثم لنناقش بعد ذلك فيما إذا كان لدينا فساد منظم أو غير ذلك.
"تعرف منظمة الشفافية العالمية الفساد بأنه «استغلال السلطة من اجل المنفعة الخاصة» أما البنك الدولي فيعرف الفساد بأنه «إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص. فالفساد يحدث عادة عندما يقوم موظف بقبول أو طلب ابتزاز أو رشوة لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمنافسة عامة، كما يتم عندما يعرض وكلاء أو وسطاء لشركات أو أعمال خاصة بتقديم رشى للاستفادة من سياسات أو إجراءات عامة للتغلب على منافسين وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين المرعية. كما يمكن أن يحصل الفساد عن طريق استغلال الوظيفة العامة من دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الأقارب أو سرقة أموال الدولة مباشرة».
"من خلال التعريف السابق يتبين لنا آليتين رئيسيتين من آليات الفساد أولهما آلية دفع الرشوة والعمولة إلى الموظفين والمسئولين في الحكومة وفي القطاع العام والخاص مباشرة لتسهيل عقد الصفقات وتدبير الأمور، أما الثانية فهي الرشوة المقنعة في شكل وضع اليد على المال العام والحصول على مواقع متقدمة للأبناء والأصهار والأقارب في الجهاز الوظيفي. وهذا النوع هو الأكثر انتشارا في البلاد العربية."
أما عن الظروف الملائمة للفساد فهي كثيرة ومتنوعة، اقتبس بعضا منها وكما يلي:
"البنى الحكومية المتناحرة، تركيز السلطة بيد صناع القرار و هم عملياً غير مسئولين من الشعب، غياب الديمقراطية أو عجزها، العجز المعلوماتي: ويشمل: انعدام الشفافية الحكومية (حرية المعلومات) في صنع القرار، احتقار أو إهمال ممارسات حرية الكلام أو الصحافة، ضعف المساءلة وانعدام الإدارة المالية الملائمة، الفرص و المحفزات وتشمل:
عمليات إستثمار كبيرة للأموال العامة، انخفاض رواتب الموظفين الحكوميين، الظروف الاجتماعية وتشمل: النخب الأنانية المنغلقة و شبكات المعارف، كون السكان أميين أو غير مهتمين وعدم قابلية الرأي العام على انتقاء الخيارات السياسية، العجز القانوني ويشمل: ضعف سلطة القانون، ضعف المهن القانونية، عدم كمال العملية الانتخابية، حملات انتخابية مكلفة يتجاوز الإنفاق فيها المصادر الاعتيادية للتمويل السياسي، غياب الرقابة الكافية للحد من الرشى أو التبرع للحملات الانتخابية".
أما إذا أردنا الحديث عن المعايير التي يقاس بها الفساد، فقد أوردت المنظمة العالمية للشفافية في مجال محاربة الفساد ثلاثة معايير لقياس الفساد وهي:
أولا: مؤشر إدراك الفساد (القائم على آراء الخبراء حول أحوال البلدان الفاسدة).
ثانيا: الباروميتر العالمي للفساد (القائم على استطلاعات مواقف الرأي العام وخبرتهم مع الفساد).
ثالثا: استطلاع دافعي الرشى (الذي يبحث في استعداد الشركات الأجنبية لدفع الرشى).
أما أنواع الفساد فهي:
الفساد السياسي: إساءة استخدام السلطة العامة (الحكومة) من قبل النخب الحاكمة لأهداف غير مشروعة كالرشوة، الابتزاز، المحسوبية، والاختلاس.
الفساد المالي: يتمثل بمجمل الانحرافات المالية ومخالفة القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة ومؤسساتها.
الفساد الإداري: يتعلق بمظاهر الفساد والانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية، وتلك المخالفات التي تصدر عن الموظف العام خلال تأديته لمهام وظيفته الرسمية ضمن منظومة التشريعات والقوانين والضوابط ومنظومة القيم الفردية.
الفساد الأخلاقي: والذي قد يكون تارة أداة أو وسيلة وتارة أخرى نتيجة لفساد آخر.
في المقال القادم وفي ضوء ما ورد أعلاه سوف نتعرض إلى أدوات مكافحة أو محاربة الفساد ثم بعد ذلك سنأتي على ذكر الفساد في الأردن وهل حقيقة لدينا فساد سواء كان منظم أم لا، وان وجد فما هو حجمه وتأثيراته على الوطن والمواطن.
kalilabisaleem@yahoo.com