..أن البائع في المحل التجاري يعاملني كمصدر إزعاج له، مع أنني أدفع ثمن البضاعة الثمينة بهدوء، وأن الموظف في المؤسسة الحكومية ينظر لسؤالي له كضعف في ثقافتي العامة، رغم محاولتي التكهّن وحدي بالإجراء التالي، وأن الخدمة في المطعم كتلك التي تقدمها زوجة الأب لأطفال زوجها، رغم فاتورة الحساب المتعددة الخانات!.
أكاد أصدق أن بعض السلوك دون البدائية، فالآخر يمتلك الحق في استلاب حقي، كأنني لست هناك، إنه يعتدي على دوري في طابور الخبز كأنما لم يرني، وفي طابور المشتريات وفي طابور دفع الفواتير وفي طابور اجتماع الأهالي في المدرسة . هل نسيت أشياء أخرى؟ نعم لقد نسيت ولعل القارئ يذكرني مثلا ً أننا ربما نكون على مشارف تلف سلوكي.
أكاد أشعر أن قاموسنا من الكلمات الملطّفة آخذ بالتضاؤل: آسف، شكرا، تفضّل، لو تسمح. أين تذهب كل هذه اللطائف؟!. إنها كالبلسم الشافي تجلي الصدور وتزيل الحنق وتجلي آثار المواقف السلبية، لكنها حتما ً مرحلة التقنين.
أكاد أشعر أننا نضيّع الكلمة السرية لاختراق قلوب الناس، تلك التي ترصّع الوجه طلاقة وقبولاً وتكون سببا هاما لبناء أساس العلاقات واستئناس الناس. أين تغيب عن وجوهنا البسمة؟.
إننا في أزمة تواصل.. أم ضعف في إدارة فنون الحياة؟. إن قيمة الإنسان أكثر بكثير من الخانة التي نحشره فيها، ولا يشعر بجهله إلا من أساء رفعتها. إن محبّة الناس ثروة كبيرة، أكبر بكثير من الإعجاب العجيب بالنفس، ولا يشعر بفقره إلا من خسرها.
التعامل مع العالمين فن لن يتقنه من يصر على الإساءة لنفسه، وها هي الحياة تفرض رغما ً عنا الاحتكاك اليومي بخلق الله، ووحدهم الخاسرون من لا يوطّنون أنفسهم على معاملة الناس بمحاسن الأخلاق، أولئك من سمحوا لأنفسهم أن يتناسوا القيم الروحية في مجتمع بني على هرم من الأخلاقيات المتسامحة والمتآلفة فيما لو أقمناها لجعلنا سلوكنا الخلقي في الأخذ والرد في مستواه الأرقى.
أكاد أصدّق أننا نضمر مزيداً من الأذى النفسي ونهيئ الآفاق لمزيد من احتمالات التنازع. أم لازال أمامنا وقت لإعلان يأسنا بعد؟.