مرت علينا في الأيام القليلة الماضية الذكرى الأولى لإنتهاء الحرب العالمية الأولى والتي بدأت عام 1914 إثر إغتيال ولي عهد النمسا في سرايفوا من قبل صرب متعصين. وقامت الحرب بين دول الحلفاء وهم بريطانيا وفرنسا وايطاليا وروسيا( انسحبت من الحرب بعد ثورة أكتوبر 1917) وأمريكا ( دخلت الحرب عام 1917) من جهة وبين الامبرطوريات الالمانية والنمساوية والعثمانية من جهة أخرى .
انتهت الحرب بإنتصار دول الحلفاء ووقعت الدول المنهزمة بالحرب وثيقة الاستسلام في فرساي في باريس عام 1919 ومعاهدة سلفر 1920, وفرضت شروط قاسية على المنهزمين وقسم الكثير من أراضيهم بين الحلفاء المنتصرين.
دخل العرب في هذه الحرب عام 1916 بعد إعلان الشريف حسين الثورة على الدولة العثمانية . وكان الإنجليز قد أعطوا وعدا للشريف حسين بمساعدتة على إقامة مملكة عربية تمتد من مرسين وطوروس شمالا الى خليج عدن جنوبا , (تم الوعد من خلال مراسلات الحسين – مكماهون ). ولكن الإنجليز لم يفوا بوعدهم للعرب .
قام الحلفاء بتقسيم بلاد الشام والعراق بينهم حسب إتفاقية سايكس بيكو التي وقعت بين بريطانيا وفرنسا عام 1916 وسان ريمو1920, وأعطت بريطانيا وعدا لليهود عام 1917عرف بوعد بلفور وزير الخارجية الانجليزي ,وينص الوعد باقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين العربية .
كان من نتائج الحرب أن أخضعت سوريا ولبنان للإنتداب الفرنسي وكل من العراق وشرق الأردن وفلسطين للإنتداب الإنجليزي , وقام الإنجليز بتعيين مندوب سامي صهيوني على فلسطين هو هوربرت صموئيل الذي عمل جاهدا على تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين وسمح لليهود الصهاينة بشراء الأراضي وبناء المستوطنات وإنشاء المنظمات العسكرية مما أدى إلى تهيئة الأجواء لقيام الدولة الصهيونية عام 1948.
والحقيقة المرة أن الجيوش الأوروبية لم تحتل بلاد الشام منذ خروج الصلييبين منها إلا في الحرب العالمية الأولى , أما بالنسبة للعراق فإنها المرة الأولى في تاريخه يخضع للاحتلال الأوروبي الصليبي .وكان القادة المحتلين من إنجليز وفرنسيين مشبعين بالروح الصليبية المعادية للإسلام وأهله , فها هو الجنرال اللنبي القائد الانجليزي (الذي احتلت قواته القدس في 7-12-1917 ) يقول عند دخوله القدس: الان انتهت الحروب الصليبية , وهذا الجنرال غورو الفرنسي الذي دخل دمشق بعد معركة ميسلون عام 1920, يتجه الى قبر البطل المسلم بطل حطين ومحرر القدس من الصليبين صلاح الدين الايوبي ويركله بقدمه ويقول له ( ها قد عدنا يا صلاح الدين ) .
أن ما جرى في منطقتنا من نكبات وهزائم ومصائب وفرقة واختلاف مصطنع بين الدول واحيانا بين الشعوب على مدار المئة سنة الماضية , ما هو الا افراز لتلك الحرب الملعونة , فبلاد الشام التي شكلت على أغلب فترات التاريخ وحدة جغرافية وسياسية واحدة , ودفعت شعوبها ثمن وضريبة الانقسام والفرقة التي فرضتها نتائج الحرب العالمية عليها , وما زالت للأسف تدفع هذه الضريبة وستبقى كذلك الى أن تعود الى وحدتها كما كانت ايام الحكم الاسلامي الزاهر الذي استمر لقرون كثيرة .