مرت أكثر من ثلاثة أسابيع على حادثة البحر الميت، وما تلاها من سيول وفيضانات وسقوط في منهل مفتوح، نجمت عنها خسائر مؤلمة في الأرواح، وأشاعت حالة من الحزن وخيبات الأمل، وفتحت جدلا غاضبا على جميع المستويات، أدى إلى استقالة وزيرين، وإحالة آخرين إلى النائب العام، وانعكس التغير المناخي على المزاج العام، فلم يظهر سوى الجانب السيء من تلك التجربة المريرة، وتوارت الجوانب الجيدة خلف المشهد الذي رسمه الغضب.
بانتظار نتائج أعمال اللجنة المستقلة التي شكلها رئيس الوزراء بناء على توجيه من جلالة الملك، فقد وضعت لجان التحقيق الحكومية والبرلمانية يدها على عديد من مواطن الخلل والتقصير بناء على وجود قناعة بأنه كان بالإمكان تلافي وجود الرحلة المدرسية المنكوبة في المكان والزمان الذين صنعا تلك المأساة.
لم يكن هناك وصف محدد لضحايا سيول البتراء، ولا حادثة المنهل، ولكن ما يزال الخلط متواصلا بين التقصير، وبين العوامل الجوية التي تسود أنحاء مختلفة من العالم، وقد بدا ما حدث عندنا ضئيلا بالمقارنة مع فيضانات الكويت والسعودية وسوريا ولبنان، وحرائق ولاية كاليفورنيا الأميركية التي تعد كارثة حقيقية، ولا نعرف إلى أي مدى تشابهت ردود الأفعال من بلد لآخر، لكن ما نعرفه أن الحديث عندنا عن الجوانب الايجابية التي تمثلت في نجاح شبه كامل لعمليات الانقاذ والبحث كان مرتبكا وخجولا، لأن هناك من كان يستغل الموقف للتركيز على السلبيات وتضخيمها!
قد يقول قائل لا يهمني ما جرى في دول أخرى، ولا تهمني المقارنة في كيفية التعامل مع الكوارث الطبيعية، والتغيرات المناخية، فليست هناك أفضلية في السوء، وقد نوافق على رأي من هذا النوع، ولكن ذلك لا يعني أن لا نقول لأولئك الذين ضحوا بأنفسهم، ولأجهزة الدفاع المدني، والأمن العام، والقوات المسلحة شكرا لكم!
ربما يقول لنا هؤلاء جميعا لا شكر على واجب، ومع ذلك يجب ألا ننسى أن غياب الموضوعية، والشعور بالامتنان، والسلبية المفرطة تخلق حالة من النكد والكدر، ولا تساهم في تحفيز العناصر الايجابية، فمن لا يشكر الناس لا يشكر االله، وذلك لا يمنعنا من النقد الايجابي، ولا من التقييم والمساءلة، واستخلاص الدروس والعبر، ولكن المهم هنا هو عدم تفريغ المواطنة الصادقة من المشاعر الطيبة بحجة التعبير عن الألم أو الغضب.
الراي